ثم ثبت الله- تعالى- المؤمنين، وهون من شأن أعدائهم لكي لا يرهبهم قوتهم فقال:
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
أى: لا تظنن- أيها الرسول الكريم أنت ومن معك من المؤمنين- أن الذين كفروا مهما أوتوا من قوة وبسطة في المال، في إمكانهم أن يعجزونا عن إهلاكهم واستئصالهم وقطع دابرهم، فإن قوتنا لا يعجزها شيء وهم في قبضتنا سواء أكانوا في الأرض التي يعيشون عليها أم في غيرها، واعلم أن «مأواهم» في الآخرة «النار ولبئس المصير» هذه النار التي هي مستقرهم ومسكنهم.
فالآية الكريمة بيان لمآل الكفرة في الدنيا والآخرة، بعد بيان ما أعده الله- تعالى- في الدنيا والآخرة من استخلاف وتمكين وأمان ورحمة للمؤمنين.
وقوله: الَّذِينَ كَفَرُوا هو المفعول الأول، لتحسبن، وقوله مُعْجِزِينَ هو المفعول الثاني.
قال القرطبي: «وقرأ ابن عامر وحمزة «يحسبن» بالياء، بمعنى لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين الله في الأرض، لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين..» .
أى: أن «الذين كفروا» في محل رفع فاعل يحسبن، والمفعول الأول محذوف تقديره:
أنفسهم. وقوله مُعْجِزِينَ هو المفعول الثاني.
وقوله- سبحانه-: وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ جواب لقسم مقدر. والمخصوص بالذم محذوف، أى: وبالله «لبئس المصير» هي. أى: النار التي يستقرون فيها.
وبعد هذه التوجيهات الحكيمة التي تتعلق ببيان أعمال المؤمنين، وأعمال الكافرين، وببيان جانب من مظاهر قدرة الله- تعالى- في خلقه، وببيان أقوال المنافقين التي تخالف أفعالهم، وببيان ما وعد الله- تعالى- به المؤمنين من خيرات..
بعد كل ذلك، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عما افتتحت به من الحديث عن الأحكام والآداب التي شرعها الله- تعالى-، وأمر المؤمنين بالتمسك بها فقال- تعالى-: