ثم عادت السورة الكريمة إلى استكمال الحديث عن المنافقين، فقال- تعالى- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ، لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ.
والجهد: الوسع والطاقة، من جهد نفسه يجهدها- بفتح الهاء فيهما- إذا اجتهد في الشيء، وبذل فيه أقصى وسعه.
أى: وأقسم هؤلاء المنافقون بالأيمان الموثقة بأشد وسائل التوثيق، بأنهم متى أمرهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالخروج معه للجهاد ليخرجن سراعا تلبية لأمره.
وهنا يأمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم ردا كله تهكم وسخرية بهم، بسبب كذبهم فيقول: قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- على سبيل السخرية والزجر، لا تقسموا على ما تقولون، فإن طاعتكم معروف أمرها، ومفروغ منها، فهي طاعة باللسان فقط. أما الفعل فيكذبها.
وذلك كما تقول لمن اشتهر بالكذب: لا تحلف لي على صدقك، فأمرك معروف لا يحتاج إلى قسم أو دليل.
ثم عقب- سبحانه- على هذه السخرية منهم بقوله: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
أى:
إن الله- تعالى- مطلع اطلاعا تاما على ظواهركم وبواطنكم فلا يحتاج منكم إلى قسم أو توكيد لأقوالكم، وقد علم- سبحانه- أنكم كاذبون في حلفكم.