وقوله- سبحانه-: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ مجزوم على أنه جواب لشرط مقدر، أى:
إن تمتثلوا أمره- تعالى- يغفر لكم ذنوبكم.
ويصح أن يكون مجزوما على أنه جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر في قوله- تعالى- قبل ذلك تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ. لأنهما- كما قلنا- وإن جاءا بلفظ الخبر، إلا أنهما في معنى الأمر، أى: آمنوا وجاهدوا.
أى: آمنوا بالله- تعالى- إيمانا حقا، وجاهدوا في سبيل إعلاء كلمته بأموالكم وأنفسكم، يغفر لكم- سبحانه- ذنوبكم، بأن يزيلها عنكم، ويسترها عليكم.
وَيُدْخِلْكُمْ فضلا عن ذلك جَنَّاتٍ عاليات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أى:
تجرى من تحت مساكنها وبساتينها الأنهار.
ويعطيكم مَساكِنَ طَيِّبَةً أى: قصورا مشتملة على كل ما هو طيب ونافع.
وخصت المساكن الطيبة بالذكر، لأن المجاهدين قد فارقوا مساكنهم، ومنهم من استشهد بعيدا عنها، وفيها أهله وماله ...
فوعدهم- سبحانه- بما هو خير منها.
وقوله فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ أى: هذه المساكن الطيبة كائنة في جنات باقية خالدة، لا تزول ولا تنتهي، بل أصحابها يقيمون فيها إقامة دائمة، يقال: عدن فلان بالمكان، إذا أقام فيه إقامة مؤبدة.
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أى: ذلك الذي منحناكم إياه من مغفرة لذنوبكم، ومن خلودكم في الجنة ... هو الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز، ولا يدانيه ظفر.