قوله تعالى : نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا .
قوله تعالى : نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك قيل : الباء زائدة في قوله به أي يستمعونه . وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثم ينفرون فيقولون : هو ساحر ومسحور ; كما أخبر الله - تعالى - به عنهم ; قاله قتادة وغيره .
وإذ هم نجوى أي متناجون في أمرك . قال قتادة : وكانت نجواهم قولهم إنه مجنون وإنه ساحر وإنه يأتي بأساطير الأولين ، وغير ذلك . وقيل : نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم ، فدخل عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله ; فتناجوا ; يقولون ساحر ومجنون . وقيل : أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ; ففعل ذلك علي ودخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد ، وقال : قولوا لا إله إلا الله لتطيعكم العرب وتدين لكم العجم فأبوا ، وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون بينهم متناجين هو : ساحر وهو مسحور ; فنزلت الآية . وقال الزجاج : النجوى اسم للمصدر ; أي وإذ هم ذو نجوى ، أي سرار .
إذ يقول الظالمون أبو جهل والوليد بن المغيرة وأمثالهما .
إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أي مطبوبا قد خبله السحر فاختلط عليه أمره ، يقولون ذلك لينفروا عنه الناس . وقال مجاهد : مسحورا أي مخدوعا ; مثل قوله : فأنى تسحرون أي من أين تخدعون . وقال أبو عبيدة : مسحورا معناه أن له سحرا ، أي رئة ، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب ; فهو مثلكم وليس بملك . وتقول العرب للجبان : قد انتفخ سحره . ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب مسحور ومسحر . قال لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال امرؤ القيس :
أرينا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشراب
أي نغذى ونعلل . وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : من هذه التي تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري .