قوله تعالى : وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فيه ثلاث مسائل : الأولى : روى البخاري والترمذي عن ابن مسعود قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يطعنها بمخصرة في يده - وربما قال بعود - ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا . جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد لفظ الترمذي . وقال : هذا حديث حسن صحيح . وكذا في حديث مسلم ( نصبا ) . وفي رواية ( صنما ) . قال علماؤنا : إنما كانت بهذا العدد لأنهم كانوا يعظمون في يوم صنما ويخصون أعظمها بيومين . وقوله : فجعل يطعنها بعود في يده يقال إنها كانت مثبتة بالرصاص وأنه كلما طعن منها صنما في وجهه خر لقفاه ، أو في قفاه خر لوجهه . وكان يقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا حكاه أبو عمر والقاضي عياض . وقال القشيري : فما بقي منها صنم إلا خر لوجهه ، ثم أمر بها فكسرت .
الثانية : في هذه الآية دليل على كسر نصب المشركين وجميع الأوثان إذا غلب عليهم ، ويدخل بالمعنى كسر آلة الباطل كله ، وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله - تعالى - . قال ابن المنذر : وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من المدر والخشب وشبهها ، وكل ما يتخذه الناس مما لا منفعة فيه إلا اللهو المنهي عنه . ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص ، إذا غيرت عما هي عليه وصارت نقرا أو قطعا فيجوز بيعها والشراء بها . قال المهلب : وما كسر من آلات الباطل وكان في حبسها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة ; إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال . وقد تقدم حرق ابن عمر - رضي الله عنه - . وقد هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة . وهذا أصل في العقوبة في المال مع قوله - عليه السلام - في الناقة التي لعنتها صاحبتها : دعوها فإنها ملعونة فأزال ملكها عنها تأديبا لصاحبتها ، وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به . وقد أراق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لبنا شيب بماء على صاحبه .
الثالثة : ما ذكرنا من تفسير الآية ينظر إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : والله لينزلن عيسى ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها الحديث . خرجه الصحيحان . ومن هذا الباب هتك النبي - صلى الله عليه وسلم - الستر الذي فيه الصور ، وذلك أيضا دليل على إفساد الصور وآلات الملاهي كما ذكرنا . وهذا كله يوجب المنع من اتخاذها ويوجب التغيير على صاحبها . إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ; وحسبك ! وسيأتي هذا المعنى في [ النمل ] إن شاء الله - تعالى - .
قوله - تعالى - : وقل جاء الحق أي الإسلام . وقيل : القرآن ; قال مجاهد . وقيل : الجهاد . وزهق الباطل قيل الشرك . وقيل الشيطان ; قاله مجاهد . والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة ، فيكون التفسير جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه . وزهق الباطل : بطل الباطل . ومن هذا زهوق النفس وهو بطلانها . يقال زهقت نفسه تزهق زهوقا ، وأزهقتها .
إن الباطل كان زهوقا أي لا بقاء له والحق الذي يثبت .