تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الأنبياء الأية 3


سورة Sura   الأنبياء   Al-Anbiyaa
الأنبياء Al-Anbiyaa
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
الصفحة Page 322
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3)

لاهية قلوبهم أي ساهية قلوبهم ، معرضة عن ذكر الله ، متشاغلة عن التأمل والتفهم ؛ من قول العرب : لهيت عن ذكر الشيء إذا تركته وسلوت عنه ألهى لهيا ولهيانا . و لاهية نعت تقدم الاسم ، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب ، فإذا تقدم النعت الاسم انتصب كقوله : خاشعة أبصارهم و ودانية عليهم ظلالها و لاهية قلوبهم قال الشاعر [ كثير عزة ] :

لعزة موحشا طلل يلوح كأنه خلل

أراد : طلل موحش . وأجاز الكسائي والفراء لاهية قلوبهم بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية . وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ . وقال الكسائي : ويجوز أن يكون المعنى ؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم . وأسروا النجوى الذين ظلموا أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب ، ثم بين من هم فقال : الذين ظلموا أي الذين أشركوا ؛ ف الذين ظلموا بدل من الواو في أسروا وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم ؛ ولا يوقف على هذا القول على النجوى . قال المبرد وهو كقولك : إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله فبنو بدل من الواو في انطلقوا . وقيل : هو رفع على الذم ، أي هم الذين ظلموا . وقيل : على حذف القول ؛ التقدير : يقول الذين ظلموا وحذف القول ؛ مثل والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم . واختار هذا القول النحاس ؛ قال : والدليل على صحة هذا الجواب أن بعده هل هذا إلا بشر مثلكم . وقول رابع : يكون منصوبا بمعنى أعني الذين ظلموا . وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم ؛ ولا يوقف على هذا الوجه على النجوى ويوقف على الوجوه المتقدمة الثلاثة قبله ؛ فهذه خمسة أقوال . وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال : أكلوني البراغيث ؛ وهو حسن ؛ قال الله تعالى : ثم عموا وصموا كثير منهم . وقال الشاعر :

بل نال النضال دون المساعي فاهتدين النبال للأغراض

وقال آخر [ الفرزدق ] :

ولكن ديافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه

وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ؛ مجازه : والذين ظلموا أسروا النجوى أبو عبيدة : أسروا هنا من الأضداد ؛ فيحتمل أن يكونوا أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكونوا أظهروه وأعلنوه .

قوله تعالى : هل هذا إلا بشر مثلكم أي تناجوا بينهم وقالوا : هل هذا الذكر الذي هو الرسول ، أو هل هذا الذي يدعوكم إلا بشر مثلكم ، لا يتميز عنكم بشيء ، يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق كما تفعلون . وما علموا أن الله - عز وجل - أنه لا يجوز أن يرسل إليهم إلا بشرا ليتفهموا ويعلمهم . أفتأتون السحر أي إن الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - سحر ، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه ؟ فأطلع الله نبيه - عليه السلام - على ما تناجوا به . و السحر في اللغة كل مموه لا حقيقة له ولا صحة . وأنتم تبصرون أنه إنسان مثلكم مثل : كنتم تعقلون لأن العقل البصر بالأشياء . وقيل : المعنى ؛ أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر . وقيل : المعنى ؛ أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق ؛ ومعنى الكلام التوبيخ .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022