قوله تعالى : فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم قال مجاهد وعكرمة قيل لأيوب - صلى الله عليه وسلم - : قد آتيناك أهلك في الجنة فإن شئت تركناهم لك في الجنة وإن شئت آتيناكهم في الدنيا . قال مجاهد : فتركهم الله - عز وجل - له في الجنة وأعطاه مثلهم في الدنيا . قال النحاس : والإسناد عنهما بذلك صحيح .
قلت : وحكاه المهدوي عن ابن عباس . وقال الضحاك : قال عبد الله بن مسعود كان أهل أيوب قد ماتوا إلا امرأته فأحياهم الله - عز وجل - في أقل من طرف البصر ، وآتاه مثلهم معهم . وعن ابن عباس أيضا : كان بنوه قد ماتوا فأحيوا له وولد له مثلهم معهم . وقال قتادة وكعب الأحبار والكلبي وغيرهم . قال ابن مسعود : مات أولاده وهم سبعة من الذكور وسبعة من الإناث فلما عوفي نشروا له ، وولدت امرأته سبعة بنين وسبع بنات . الثعلبي : وهذا القول أشبه بظاهر الآية .
قلت : لأنهم ماتوا ابتلاء قبل آجالهم حسب ما تقدم بيانه في سورة ( البقرة ) في قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . وفي قصة السبعين الذين أخذتهم الصعقة فماتوا ثم أحيوا ؛ وذلك أنهم ماتوا قبل آجالهم ، وكذلك هنا والله أعلم . وعلى قول مجاهد وعكرمة يكون المعنى : وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا . وفي الخبر : إن الله بعث إليه جبريل - عليه السلام - حين ركض برجله على الأرض ركضة فظهرت عين ماء حار ، وأخذ بيده ونفضه نفضة فتناثرت عنه الديدان ، وغاص في الماء غوصة فنبت لحمه وعاد إلى منزله ، ورد الله عليه أهله ومثلهم معهم ، ونشأت سحابة على قدر قواعد داره فأمطرت ثلاثة أيام بلياليها جرادا من ذهب . فقال له جبريل : أشبعت ؟ فقال : ومن يشبع من فضل الله ! . فأوحى الله إليه : قد أثنيت عليك بالصبر قبل وقوعك في البلاء وبعده ، ولولا أني وضعت تحت كل شعرة منك صبرا ما صبرت .
رحمة من عندنا أي فعلنا ذلك به رحمة من عندنا . وقيل : ابتليناه ليعظم ثوابه غدا . وذكرى للعابدين أي وتذكيرا للعباد ؛ لأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب وصبره عليه ومحنته له وهو أفضل أهل زمانه وطنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا نحو ما فعل أيوب ، فيكون هذا تنبيها لهم على إدامة العبادة ، واحتمال الضرر . واختلف في مدة إقامته في البلاء ؛ فقال ابن عباس : كانت مدة البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال . وهب : ثلاثين سنة . الحسن سبع سنين وستة أشهر . قلت : وأصح من هذا والله أعلم ثماني عشرة سنة ؛ رواه ابن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ذكره ابن المبارك وقد تقدم .