قوله تعالى : قالوا حرقوه لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم وانصرفوا إلى طريق الغشم والغلبة وقالوا حرقوه . روي أن قائل هذه المقالة هو رجل من الأكراد من أعراب فارس ؛ أي من باديتها ؛ قال ابن عمرو ومجاهد وابن جريج . ويقال : اسمه هيزر فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . وقيل : بل قاله ملكهم نمرود . وانصروا آلهتكم بتحريق إبراهيم لأنه يسبها ويعيبها . وجاء في الخبر : أن نمرود بنى صرحا طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا . قال ابن إسحاق : وجمعوا الحطب شهرا ثم أوقدوها ، واشتعلت واشتدت ، حتى إن كان الطائر ليمر بجنباتها فيحترق من شدة وهجها . ثم قيدوا إبراهيم ووضعوه في المنجنيق مغلولا . ويقال : إن إبليس صنع لهم المنجنيق يومئذ . فضجت السماوات والأرض ومن فيهن من الملائكة وجميع الخلق ، إلا الثقلين ضجة واحدة : ربنا ! إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره يحرق فيك فأذن لنا في نصرته . فقال الله تعالى : " إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه " فلما أرادوا إلقاءه في النار ، أتاه خزان الماء - وهو في الهواء - فقالوا : يا إبراهيم إن أردت أخمدنا النار بالماء . فقال : لا حاجة لي إليكم . وأتاه ملك الريح فقال : لو شئت طيرت النار . فقال : لا . ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : " اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل " . وروى أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار ، قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع ، فاستقبله جبريل ؛ فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : " أما إليك فلا " . فقال جبريل : فاسأل ربك . فقال : " حسبي من سؤالي علمه بحالي " .