تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الأنبياء الأية 47


سورة Sura   الأنبياء   Al-Anbiyaa
قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50) ۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)
الصفحة Page 326
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)

قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا الموازين جمع ميزان . فقيل : إنه يدل بظاهره على أن لكل مكلف ميزانا توزن به أعماله ، فتوضع الحسنات في كفة ، والسيئات في كفة . وقيل : يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد ، يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله ؛ كما قال :

ملك تقوم الحادثات لعدله فلكل حادثة لها ميزان

ويمكن أن يكون ميزانا واحدا عبر عنه بلفظ الجمع . وخرج اللالكائي الحافظ أبو القاسم في سننه عن أنس يرفعه : إن ملكا موكلا بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان فإن رجح نادى الملك بصوت يسمع الخلائق : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خف نادى الملك : شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا . وخرج عن حذيفة - رضي الله عنه - قال : صاحب الميزان يوم القيامة جبريل - عليه السلام - وقيل : للميزان كفتان وخيوط ولسان والشاهين ؛ فالجمع يرجع إليها . وقال مجاهد وقتادة والضحاك : ذكر الميزان مثل وليس ثم ميزان وإنما هو العدل . والذي وردت به الأخبار وعليه السواد الأعظم القول الأول . وقد مضى في ( الأعراف ) بيان هذا ، وفي ( الكهف ) أيضا . وقد ذكرناه في كتاب ( التذكرة ) مستوفى والحمد لله . والقسط العدل أي ليس فيها بخس ولا ظلم كما يكون في وزن الدنيا . والقسط صفة الموازين ووحد لأنه مصدر ؛ يقال : ميزان قسط ، وميزانان قسط ، وموازين قسط . مثل رجال عدل ورضا . وقرأت فرقة ( القصط ) بالصاد . ليوم القيامة أي لأهل يوم القيامة . وقيل : المعنى في يوم القيامة . فلا تظلم نفس شيئا أي لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيء .

وإن كان مثقال حبة من خردل قرأ نافع وشيبة وأبو جعفر ( مثقال حبة ) بالرفع هنا ؛ وفي ( لقمان ) على معنى إن وقع أو حضر ؛ فتكون كان تامة ولا تحتاج إلى خبر . الباقون مثقال بالنصب على معنى وإن كان العمل أو ذلك الشيء مثقال . ومثقال الشيء ميزانه من مثله . أتينا بها مقصورة الألف قراءة الجمهور أي أحضرناها وجئنا بها للمجازاة عليها ولها . يجاء بها أي بالحجة ولو قال به أي بالمثقال لجاز . وقيل : مثقال الحبة ليس شيئا غير الحبة فلهذا قال : أتينا بها . وقرأ مجاهد وعكرمة ( آتينا ) بالمد على معنى جازينا بها . يقال آتى يؤاتي مؤاتاة . وكفى بنا حاسبين أي محاسبين على ما قدموه من خير وشر . وقيل : حاسبين إذ لا أحد أسرع حسابا منا . والحساب العد . روى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - : أن رجلا قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم ؟ قال : يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك ، وإن كان عقابك فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل ، قال : فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما تقرأ كتاب الله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا فقال الرجل : والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم ، أشهدك أنهم أحرار كلهم . قال حديث غريب .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022