تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  النمل الأية 28


سورة Sura   النمل   An-Naml
إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ (26) ۞ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
الصفحة Page 379
اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)

قوله تعالى : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم . قال الزجاج : فيها خمسة أوجه ( فألقه إليهم ) بإثبات الياء في اللفظ . وبحذف الياء وإثبات الكسرة دالة عليها ( فألقه إليهم ) . وبضم الهاء وإثبات الواو على الأصل ( فألقه وإليهم ) . وبحذف الواو وإثبات الضمة ( فألقه إليهم ) . واللغة الخامسة قرأ بها حمزة بإسكان الهاء فألقه إليهم . قال النحاس : وهذا عند النحويين لا يجوز إلا على حيلة بعيدة تكون : يقدر الوقف ; وسمعت علي بن سليمان يقول : لا تلتفت إلى هذه العلة ، ولو جاز أن يصل وهو ينوي الوقف لجاز أن يحذف الإعراب من الأسماء . وقال : ( إليهم ) على لفظ الجمع ولم يقل ( إليها ) ; لأنه قال : وجدتها وقومها يسجدون للشمس فكأنه قال : فألقه إلى الذين هذا دينهم ; اهتماما منه بأمر الدين ، واشتغالا به عن غيره ، وبني الخطاب في ( الكتاب ) على لفظ الجمع لذلك . وروي في قصص هذه الآية أن الهدهد وصل فألفى دون هذه الملكة حجب جدران ; فعمد إلى كوة كانت بلقيس صنعتها لتدخل منها الشمس عند طلوعها لمعنى عبادتها إياها ، فدخل منها ورمى الكتاب على بلقيس وهي - فيما يروى - نائمة ; فلما انتبهت وجدته فراعها ، وظنت أنه قد دخل عليها أحد ، ثم قامت فوجدت حالها كما عهدت ، فنظرت إلى الكوة تهمما بأمر الشمس ، فرأت الهدهد فعلمت . وقال وهب وابن زيد : كانت لها كوة مستقبلة مطلع الشمس ، فإذا طلعت سجدت ، فسدها الهدهد بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى الصحيفة إليها ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت ، لأن ملك سليمان عليه السلام كان في خاتمه ; فقرأته فجمعت الملأ من قومها فخاطبتهم بما يأتي بعد . وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره ، وطار حتى وقف على رأس المرأة وحولها الجنود والعساكر ، فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه ، فرفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها .

في هذه الآية دليل على إرسال الكتب إلى المشركين وتبليغهم الدعوة ، ودعائهم إلى الإسلام . وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبار ; كما تقدم في ( آل عمران ) .

قوله تعالى : ثم تول عنهم أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدب به مع الملوك . بمعنى : وكن قريبا حتى ترى مراجعتهم ; قاله وهب بن منبه . وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه ; أي ألقه وارجع فانظر ماذا يرجعون في معنى التقديم على قوله : ثم تول واتساق رتبة الكلام أظهر ; أي ألقه ثم تول ، وفي خلال ذلك ( فانظر ) أي انتظر . وقيل : فاعلم ; كقوله : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه أي اعلم ماذا يرجعون - أي يجيبون - وماذا يردون من القول . وقيل : فانظر ماذا يرجعون يتراجعون بينهم من الكلام .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022