قوله تعالى : سننظر من النظر الذي هو التأمل والتصفح . أصدقت أم كنت من الكاذبين في مقالتك . و ( كنت ) بمعنى أنت . وقال : سننظر أصدقت ولم يقل سننظر في أمرك ; لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم في قوله : أحطت بما لم تحط به صرح له سليمان بقوله : سننظر أصدقت أم كذبت ، فكان ذلك كفاء لما قاله .
قوله تعالى : أصدقت أم كنت من الكاذبين دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته ، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم ; لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه . وإنما صار صدق الهدهد عذرا لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد ، وكان سليمان عليه السلام حبب إليه الجهاد . وفي الصحيح : ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل . وقد قبل عمر عذر النعمان بن عدي ولم يعاقبه . ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة . كما فعل سليمان ; فإنه لما قال الهدهد : إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم لم يستفزه الطمع ، ولا استجره حب الزيادة في الملك إلى أن يعرض له حتى قال : وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله فغاظه حينئذ ما سمع ، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر ، وتحصيل علم ما غاب عنه من ذلك ، فقال : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ونحو منه ما رواه الصحيح عن المسور بن مخرمة ، حين استشار عمر الناس في إملاص المرأة وهي التي يضرب بطنها فتلقي جنينها ; فقال المغيرة بن شعبة : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة . قال فقال عمر : ايتني بمن يشهد معك ; قال : فشهد له محمد بن مسلمة وفي رواية فقال : لا تبرح حتى تأتي بالمخرج من ذلك ; فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة فجئت به فشهد . ونحوه حديث أبي موسى في الاستئذان وغيره .