تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  النمل الأية 39


سورة Sura   النمل   An-Naml
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
الصفحة Page 380
قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)

قوله تعالى : قال عفريت من الجن كذا قرأ الجمهور وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي : ( عفرية ) ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وفي الحديث : إن الله يبغض العفرية النفرية . ( النفرية ) إتباع لعفرية . قال قتادة : هي الداهية قال النحاس : يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفرية وعفريت وعفارية . وقيل : عفريت أي رئيس . وقرأت فرقة : ( قال عفر ) بكسر العين ; حكاه ابن عطية ; قال النحاس : من قال ( عفرية ) جمعه على عفار ، ومن قال : ( عفريت ) كان له في الجمع ثلاثة أوجه ; إن شاء قال عفاريت ، وإن شاء قال عفار ; لأن التاء زائدة ; كما يقال : ( طواغ ) في جمع طاغوت ، وإن شاء عوض من التاء ياء فقال عفاري . والعفريت من الشياطين القوي المارد . والتاء زائدة . وقد قالوا : تعفرت الرجل : إذا تخلق بخلق الأذية . وقال وهب بن منبه : اسم هذا العفريت كودن ; ذكره النحاس . وقيل : ذكوان ; ذكره السهيلي . وقال شعيب الجبائي : اسمه دعوان . وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني . ومن هذا الاسم قول ذي الرمة :

كأنه كوكب في إثر عفرية مصوب في سواد الليل منقضب

وأنشد الكسائي :

إذ قال شيطانهم العفريت ليس لكم ملك ولا تثبيت

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فذعته . . . وذكر الحديث . وفي البخاري تفلت علي البارحة مكان جعل يفتك . وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار ، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه ; فقال جبريل : أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى . فقال : أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض ، وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن . قوله تعالى : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك يعني في مجلسه الذي يحكم فيه . وإني عليه لقوي أمين أي قوي على حمله . أمين على ما فيه . ابن عباس : أمين على فرج المرأة ; ذكره المهدوي . فقال سليمان أريد أسرع من ذلك ; ف قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل ، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب . وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حي يا قيوم قيل : وهو بلسانهم ، أهيا شراهيا ; وقال الزهري : دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها ; فمثل بين يديه . وقال مجاهد : دعا فقال : يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام . قال السهيلي : الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان ، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى . وقيل : هو سليمان نفسه ; ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل . قال ابن عطية وقالت فرقة هو سليمان عليه السلام ، والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك كأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك واستدل قائلو هذه المقالة بقول سليمان : هذا من فضل ربي .

قلت : ما ذكره ابن عطية قاله النحاس في معاني القرآن له ، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى . قال بحر : هو ملك بيده كتاب المقادير ، أرسله الله عند قول العفريت . قال السهيلي : وذكر محمد بن الحسن المقرئ أنه ضبة بن أد ; وهذا لا يصح البتة لأن ضبة هو ابن أد بن طابخة ، واسمه عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد : ومعد كان في مدة بختنصر ، وذلك بعد عهد سليمان بدهر طويل ; فإذا لم يكن معد في عهد سليمان ، فكيف ضبة بن أد وهو بعده بخمسة آباء ؟ ! وهذا بين لمن تأمله . ابن لهيعة : هو الخضر عليه السلام . وقال ابن زيد : ( الذي عنده علم من الكتاب ) رجل صالح كان في جزيرة من جزائز البحر ، خرج ذلك اليوم ينظر من ساكن الأرض ; وهل يعبد الله أم لا ؟ فوجد سليمان ، فدعا باسم من أسماء الله تعالى فجيء بالعرش . وقول سابع : أنه رجل من بني إسرائيل اسمه يمليخا كان يعلم اسم الله الأعظم ; ذكره القشيري . وقال ابن أبي بزة : الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب اسمه أسطوم وكان عابدا في بني إسرائيل ; ذكره الغزنوي . وقال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان عليه السلام ; أما إن الناس يرون أنه كان معه اسم وليس ذلك كذلك ; إنما كان رجل من بني إسرائيل عالما آتاه الله علما وفقها قال : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال : هات . قال : أنت نبي الله ابن نبي الله فإن دعوت الله جاءك به ، فدعا الله سليمان فجاءه الله بالعرش . وقول ثامن : إنه جبريل عليه السلام ; قاله النخعي ، وروي عن ابن عباس .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022