مسألة : وقد احتجت عائشة رضي الله عنها في إنكارها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسمع موتى بدر بهذه الآية ; فنظرت في الأمر بقياس عقلي ووقفت مع هذه الآية . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما أنتم بأسمع منهم . قال ابن عطية : فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد صلى الله عليه وسلم في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة ، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين .
قلت : روى البخاري رضي الله عنه ; حدثني عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه ، قالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفير الركي ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ; فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ; قال : فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما . خرجه مسلم أيضا . قال البخاري : حدثنا عثمان قال : حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ ثم قال : إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت إنك لا تسمع الموتى حتى قرأت الآية . وقد عورضت هذه الآية بقصة بدر وبالسلام على القبور ، وبما روي في ذلك من أن الأرواح تكون على شفير القبور في أوقات ، وبأن الميت يسمع قرع النعال إذا انصرفوا عنه ، إلى غير ذلك ; فلو لم يسمع الميت لم يسلم عليه . وهذا واضح وقد بيناه في كتاب ( التذكرة ) . قوله تعالى : وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم أي كفرهم ; أي ليس في وسعك خلق الإيمان في قلوبهم . وقرأ حمزة : ( وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم ) كقوله : أفأنت تهدي العمي . الباقون : ( بهادي العمي ) وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وفي ( الروم ) مثله . وكلهم وقف على ( بهادي ) بالياء في هذه السورة وبغير ياء في ( الروم ) اتباعا للمصحف ، إلا يعقوب فإنه وقف فيهما جميعا بالياء . وأجاز الفراء وأبو حاتم : ( وما أنت بهاد العمي ) وهي الأصل . وفي حرف عبد الله ( وما أن تهدي العمي ) . إن تسمع أي ما تسمع . إلا من يؤمن بآياتنا قال ابن عباس : أي إلا من خلقته للسعادة فهم مخلصون في التوحيد .