تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  التوبة الأية 38


سورة Sura   التوبة   At-Tawba
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
الصفحة Page 193
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)

قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى ما لكم " ما " حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ . التقدير : أي شيء يمنعكم عن كذا كما تقول : ما لك عن فلان معرضا . ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتابا على تخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام ، وسيأتي ذكرها في آخر السورة إن شاء الله . والنفر : هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث ، يقال في ابن آدم : نفر إلى الأمر ينفر نفورا . وقوم نفور ، ومنه قوله تعالى : ولوا على أدبارهم نفورا . ويقال في الدابة : نفرت تنفر - بضم الفاء وكسرها - نفارا ونفورا . يقال : في الدابة نفار ، وهو اسم مثل الحران . ونفر الحاج من منى نفرا .

الثانية : قوله تعالى اثاقلتم إلى قال المفسرون : معناه اثاقلتم إلى نعيم الأرض ، أو إلى الإقامة بالأرض . وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج ، وهو نحو من أخلد إلى الأرض . وأصله تثاقلتم ، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها ، واحتاجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن ، ومثله اداركوا ، وادارأتم ، واطيرنا ، وازينت . وأنشد الكسائي :

تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل

وقرأ الأعمش " تثاقلتم " على الأصل . حكاه المهدوي .

وكانت تبوك - ودعا الناس إليها - في حرارة القيظ وطيب الثمار وبرد الظلال - كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي - فاستولى على الناس الكسل فتقاعدوا وتثاقلوا فوبخهم الله بقوله هذا وعاب عليهم الإيثار للدنيا على الآخرة .

ومعنى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة أي بدلا ، التقدير : أرضيتم بنعيم الدنيا بدلا من نعيم الآخرة ف ( من ) تتضمن معنى البدل ، كقوله تعالى : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون أي بدلا منكم .

وقال الشاعر :

فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان

ويروى من ماء حمنان . أراد : ليت لنا بدلا من ماء زمزم شربة مبردة . والطهيان : عود ينصب في ناحية الدار للهواء ، يعلق عليه الماء حتى يبرد . عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة ، إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا . قال صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد طافت راكبة : أجرك على قدر نصبك . خرجه البخاري .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022