تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  التوبة الأية 77


سورة Sura   التوبة   At-Tawba
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) ۞ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
الصفحة Page 199
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)

فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ

مفعولان أي أعقبهم الله تعالى نفاقا في قلوبهم .

وقيل : أي أعقبهم البخل نفاقا ; ولهذا قال : " بخلوا به " .

" نفاقا " النفاق إذا كان في القلب فهو الكفر .

فأما إذا كان في الأعمال فهو معصية .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها .

إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) خرجه البخاري .

وقد مضى في [ البقرة ] اشتقاق هذه الكلمة , فلا معنى لإعادتها .

واختلف الناس في تأويل هذا الحديث ; فقالت طائفة : إنما ذلك لمن يحدث بحديث يعلم أنه كذب , ويعهد عهدا لا يعتقد الوفاء به , وينتظر الأمانة للخيانة فيها .

وتعلقوا بحديث ضعيف الإسناد , وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خارجين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ثقيلان فقال علي : ما لي أراكما ثقيلين ؟ قالا حديثا سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال المنافقين ( إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا اؤتمن خان وإذا وعد أخلف ) فقال علي : أفلا سألتماه ؟ فقالا : هبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لكني سأسأله ; فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , خرج أبو بكر وعمر وهما ثقيلان , ثم ذكر ما قالاه , فقال : ( قد حدثتهما ولم أضعه على الوضع الذي وضعاه ولكن المنافق إذا حدث وهو يحدث نفسه أنه يكذب وإذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف وإذا اؤتمن وهو يحدث نفسه أنه يخون ) ابن العربي : قد قام الدليل الواضح على أن متعمد هذه الخصال لا يكون كافرا , وإنما يكون كافرا باعتقاد يعود إلى الجهل بالله وصفاته أو تكذيب له تعالى الله وتقدس عن اعتقاد الجاهلين وعن زيغ الزائغين .

وقالت طائفة : ذلك مخصوص بالمنافقين زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتعلقوا بما رواه مقاتل بن حيان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر وابن عباس قالا : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه فقلنا : يا رسول الله , إنك قلت ( ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ومن كانت فيه خصلة منهن ففيه ثلث النفاق ) فظننا أنا لم نسلم منهن أو من بعضهن ولم يسلم منهن كثير من الناس ; قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( ما لكم ولهن إنما خصصت بهن المنافقين كما خصهم الله في كتابه أما قولي إذا حدث كذب فذلك قوله عز وجل " إذا جاءك المنافقون .. .

" [ المنافقون : 1 ] - الآية - ( أفأنتم كذلك ) ؟ قلنا : لا .

قال : ( لا عليكم أنتم من ذلك برآء وأما قولي إذا وعد أخلف فذلك فيما أنزل الله علي " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله .. .

" - الآيات الثلاث - ( أفأنتم كذلك ) ؟ قلنا لا , والله لو عاهدنا الله على شيء أوفينا به .

قال : ( لا عليكم أنتم من ذلك برآء وأما قولي وإذا اؤتمن خان فذلك فيما أنزل الله علي " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال .. .

" [ الأحزاب : 72 ] - الآية - ( فكل إنسان مؤتمن على دينه فالمؤمن يغتسل من الجنابة في السر والعلانية والمنافق لا يفعل ذلك إلا في العلانية أفأنتم كذلك ) ؟ قلنا لا قال : ( لا عليكم أنتم من ذلك برآء ) .

وإلى هذا صار كثير من التابعين والأئمة .

قالت طائفة : هذا فيمن كان الغالب عليه هذه الخصال .

ويظهر من مذهب البخاري وغيره من أهل العلم أن هذه الخلال الذميمة منافق من اتصف بها إلى يوم القيامة .

قال ابن العربي : والذي عندي أنه لو غلبت عليه المعاصي ما كان بها كافرا ما لم يؤثر في الاعتقاد .

قال علماؤنا : إن إخوة يوسف عليه السلام عاهدوا أباهم فأخلفوه , وحدثوه فكذبوه , وائتمنهم على يوسف فخانوه وما كانوا منافقين .

قال عطاء بن أبي رباح : قد فعل هذه الخلال إخوة يوسف ولم يكونوا منافقين بل كانوا أنبياء .

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : النفاق نفاقان , نفاق الكذب ونفاق العمل ; فأما نفاق الكذب فكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأما نفاق العمل فلا ينقطع إلى يوم القيامة .

وروى البخاري عن حذيفة أن النفاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان .إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ

في موضع خفض ; أي يلقون بخلهم , أي جزاء بخلهم ; كما يقال : أنت تلقى غدا عملك .

وقيل : " إلى يوم يلقونه " أي يلقون الله .

وفي هذا دليل على أنه مات منافقا .

وهو يبعد أن يكون المنزل فيه ثعلبة أو حاطب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) وثعلبة وحاطب ممن حضر بدرا وشهدها .بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ

كذبهم نقضهم العهد وتركهم الوفاء بما التزموه من ذلك .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022