ثم بين- سبحانه- أن هذا القرآن مشتمل على أحسن القصص وأحكمها وأصدقها فقال- تعالى-: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ، وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ.
قال الفخر الرازي ما ملخصه: «القصص: اتباع الخبر بعضه بعضا، وأصله في اللغة المتابعة قال- تعالى- وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.. أى اتبعى أثره. وقال- تعالى-:
فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أى: اتباعا. وإنما سميت الحكاية قصصا، لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا، كما يقال: «تلا فلان القرآن، أى قرأه آية فآية» .
والمعنى: نحن نقص عليك- أيها الرسول الكريم «أحسن القصص» أى: أحسن أنواع البيان، وأوفاه بالغرض الذي سيق من أجله.
وإنما كان قصص القرآن أحسن القصص، لاشتماله على أصدق الأخبار، وأبلغ الأساليب، وأجمعها للحكم والعبر والعظات.
والباء في قوله بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ للسببية متعلقة بنقص، وما مصدرية.
أى: نقص عليك أحسن القصص، بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي هو في الذروة العليا في بلاغته وتأثيره في النفوس.
وجملة وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ في موضع الحال من كاف الخطاب في إِلَيْكَ و «وإن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف.
والضمير في قوله مِنْ قَبْلِهِ يعود إلى الإيحاء المفهوم من قوله أَوْحَيْنا.
والمعنى: نحن نقص عليك أحسن القصص بسبب ما أوحيناه إليك من هذا القرآن.
والحال أنك كنت قبل إيحائنا إليك بهذا القرآن، من الغافلين عن تفاصيل هذا القصص، وعن دقائق أخباره وأحداثه، شأنك في ذلك شأن قومك الأميين.
قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.