وبعد أن عرف يوسف صاحبيه في السجن بنفسه وبملته وبآبائه. شرع يقيم لهم الأدلة على صحة عقيدته، وعلى فساد عقيدتهما فقال- كما حكى القرآن عنه: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.
أى: يا صاحبي ورفيقي في السجن أخبرانى بربكما، أعبادة عدد من الأرباب المتفرقة في ذواتها وصفاتها «خير» لكما «أم» عبادة الله- تعالى- «الواحد» في ذاته وصفاته «القهار» لكل من غالبه أو نازعه؟
وكرر نداءهما بالصحبة ليتحبب إليهما بهذه الصفة التي فيها إيناس للقلوب، وليسترعى انتباههما إلى ما يقوله لهما.
قال صاحب المنار ما ملخصه: «وقوله: أأرباب متفرقون خير ... » هذا استفهام تقرير بعد تخيير، ومقدمة لأظهر برهان على التوحيد، وكان المصريون المخاطبون به، يعبدون كغيرهم من الأمم أربابا متفرقين في ذواتهم وفي صفاتهم وفي الأعمال التي يسندونها إليهم بزعمهم، فهو يقول لصاحبيه أأرباب متفرقون، أى عديدون هذا شأنهم في التفرق والانقسام «خير» لكما ولغيركما «أم الله الواحد القهار..» .
ولا شك أن الجواب الذي لا يختلف فيه عاقلان، أن عبادة الله- تعالى- الواحد القهار، هي العبادة الصحيحة التي توافق الفطرة السليمة والعقول القويمة.