ثم بين- سبحانه- أحوالهم عند ما يدعون في هذا اليوم الهائل الشديد فقال: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ....
والظرف يَوْمَ منصوب بفعل مضمر أى: اذكروا يوم يدعوكم.. ويجوز أن يكون منصوبا على البدلية من قَرِيباً.
والداعي لهم هو «إسرافيل» - عليه السلام- عند ما يأذن الله- تعالى- له بالنفخ في الصور، كما قال- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ .
وكما قال- سبحانه-: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ. خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ. مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ .
وقوله بِحَمْدِهِ حال من ضمير المخاطبين وهم الكفار، والباء للملابسة.
أى: اذكروا- أيها المكذبون- يوم يدعوكم الداعي إلى البعث والنشور فتلبون نداءه بسرعة وانقياد، حال كونكم حامدين الله- تعالى- على كمال قدرته، وناسين ما كنتم تزعمون في الدنيا من أنه لا بعث ولا حساب.
قال صاحب الكشاف: وقوله بِحَمْدِهِ حال منهم. أى: حامدين، وهي مبالغة في انقيادهم للبعث، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويتمنع، ستركبه وأنت حامد شاكر، يعنى: أنك تحمل عليه وتقسر قسرا. حتى أنك تلين لين المسمح- أى الذليل- الراغب فيه، الحامد عليه.
وعن سعيد بن جبير: ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك .
وقوله: فَتَسْتَجِيبُونَ بمعنى تجيبون، إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة، فهي أوكد من الإجابة، وأسرع في التلبية.
وجملة «وتظنون إن لبثتم إلا قليلا» حالية، أى: والحال أنك تظنون عند بعثكم أنكم ما لبثتم في الدنيا أو في قبوركم إلا زمنا قليلا.
قال قتادة: إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلّت، حين رأوا يوم القيامة، لهول ما يرون فقالوا هذه المقالة.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-:.. كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ .
وقوله- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟ هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ .
وقوله- تعالى-: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها .
ثم ترك القرآن الكريم أولئك الذين كفروا بالبعث والنشور في طغيانهم يعمهون، ووجه خطابه إلى المؤمنين، آمرا إياهم بأن يقولوا الكلمة الطيبة، ومبينا لهم ولغيرهم، أن مصائرهم بيد الله- تعالى- وحده، فقال- تعالى-: