ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم للمرة الثانية على سبيل التنبيه والتوبيخ، من الذي يملك أن يرزقهم، فقال- سبحانه-: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين: من الذي يرزقكم من السماء بالمطر وغيره، ويرزقكم من الأرض بالنباتات والمعادن وغير ذلك من المنافع.
وقوله- تعالى-: قُلِ اللَّهُ جواب على هذا السؤال، وهو جواب لا يملكون إلا الاعتراف به.
أى: قل لهم منبها ولافتا أنظارهم إلى ما هم فيه من جهل: الله وحده هو الذي يرزقكم بما لا يحصى من الأرزاق التي بعضها من السموات، وبعضها من الأرض.
وقوله- سبحانه-: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ داخل في حيز الأمر السابق، ولكن بأسلوب فيه ما فيه من الحكمة والتلطف، ومن حمل المخاطب على التفكر والتدبر حتى يعود إلى الرشد والصواب.
أى: وقل لهم- أيضا- أيها الرسول الكريم- لقد علمتم- يا معشر المشركين أن المستحق للعبادة هو الله- تعالى- وحده، لأنه هو الذي خلقكم ورزقكم من السموات والأرض ...
وإن أحدنا لا بد أن يكون على الهدى والآخر على الضلال. وسنترك تحديد من هو المهتدى ومن هو الضال لعقولكم وضمائركم.
وستعلمون- علم اليقين- بعد التفكر والتدبر أننا نحن المسلمين على الحق، وأنتم يا معشر المشركين على الباطل..
فالجملة الكريمة لون من ألوان الدعوة إلى الله- تعالى- بأسلوب مهذب حكيم، من شأنه أن يحمل القلوب النافرة عن الحق، إلى الاستسلام له، والدخول فيه..
قال القرطبي: وقوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ هذا على وجه الإنصاف في الحجة، كما يقول القائل لغيره: أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق، وأن صاحبه كاذب، والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد، بل على أمرين متضادين، وأحد الفريقين مهتد وهو نحن، والآخر ضال وهو أنتم، فكذبهم بأحسن من تصريح التكذيب.
والمعنى: أنتم الضالون حين أشركتم بالله الذي يرزقكم من السموات والأرض ....
وقوله: أَوْ إِيَّاكُمْ معطوف على اسم إن، وخبرها هو المذكور. وحذف خبر الثاني للدلالة عليه.
أى: وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين، وإنكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.