وهنا يجيء الرد الذي يزلزلهم، عن طريق بيان بعض مشاهد يوم القيامة، فيقول- سبحانه-: ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ. فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.
المراد بالصيحة هنا: النفخة الأولى التي ينفخها إسرافيل بأمر الله- تعالى- فيموت جميع الخلائق.
وقوله يَخِصِّمُونَ أى: يختصمون في أمور دنياهم. وفي هذا اللفظ عدة قراءات سبعية.
منها قراءة أبو عمرو وابن كثير: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ- بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد مع الفتح- ومنها قراءة عاصم والكسائي: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد مع الكسر.
ومنها قراءة حمزة يَخِصِّمُونَ بإسكان الخاء وكسر الصاد مع التخفيف.
أى: أن هؤلاء الكافرين الذين يستنكرون قيام الساعة، ويستبعدون حصولها، جاهلون غافلون، فإن الساعة آتية لا ريب فيها، وستحل بهم بغتة فإنهم ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يصيحها إسرافيل بأمرنا، فتأخذهم هذه الصيحة وتصعقهم وتهلكهم وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أى: وهم يتخاصمون ويتنازعون في أمور دنياهم.
وعند ما تنزل بهم هذه الصيحة، لا يستطيع بعضهم أن يوصى بعضا بما يريد أن يقول له ولا يستطيعون جميعا الرجوع إلى أهليهم، لأنهم يصعقون في أماكنهم التي يكونون فيها عند حدوث هذه الصيحة.
فأنت ترى أن الآيتين الكريمتين قد اشتملتا على أبلغ تصوير لأهوال علامات يوم القيامة، ولسرعة مجيء هذه الأهوال.
أخرج الشيخان عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة والرجل يليط حوضه- أى يسده بالطين- فلا يسقى منه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن ناقته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها»