واللام في قوله- تعالى-: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ...
هي الموطئة للقسم، وتسمى هذه البيعة بيعة الرضوان.
والشجرة: كانت بالحديبية، وقد جلس صلّى الله عليه وسلّم تحتها ليبايع أصحابه على الموت أو على عدم الفرار، فبايعوه على ذلك- ما عدا بعض المنافقين-، وقد كان الناس بعد ذلك يترددون على تلك الشجرة ويصلون تحتها، ويدعون الله- تعالى-.. فأمر عمر- رضى الله عنه- قطعها خشية الافتتان بها. أى: والله لقد رضى الله- تعالى- عن المؤمنين الذين بايعوك- أيها الرسول الكريم- تحت الشجرة، على الموت من أجل إعلاء كلمة ربهم.
وفي هذه الجملة أسمى وأعلى ما يتمناه إنسان، وهو رضا الله- تعالى- عنه ودخوله في زمرة العباد الذين ظفروا بمغفرته- سبحانه- ورحمته.
قال الآلوسى- رحمه الله-: والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة هذه المبايعة. وقوله- سبحانه-: تَحْتَ الشَّجَرَةِ متعلق بيبايعونك ... وفي التقييد بذلك إشارة إلى مزيد وقع تلك المبايعة في النفوس. ولذا استوجبت رضا الله- تعالى- الذي لا يعادله شيء، ويستتبع مالا يكاد يخطر على البال.
ويكفى فيما ترتب على ذلك ما أخرجه أحمد عن جابر، ومسلم عن أم بشر، عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» ..
وصح برواية الشيخين وغيرهما في أولئك المؤمنين من حديث جابر، أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لهم «أنتم خير أهل الأرض..» .
وقوله- تعالى-: فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً بشارة أخرى لهؤلاء المؤمنين الصادقين.
أى: لقد رضى- سبحانه- عن الذين بايعوك تحت الشجرة- أيها الرسول الكريم- حيث علم ما في قلوبهم من الصدق والإخلاص وإيثار الآخرة على الأولى، فأنزل السكينة والطمأنينة والأمان عليهم، وَأَثابَهُمْ أى: وأعطاهم ومنحهم فتحا قريبا، وهو فتح خيبر، الذي كان بعد صلح الحديبية بأقل من شهرين.
وقيل المراد به: فتح مكة، والأول أرجح، لأن فتح خيبر لم يكن فتح أقرب منه، ولأن المسلمين قد أصابوا من فتح خيبر غنائم كثيرة.