ثم بين- سبحانه- الغاية من رسالته صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى- يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ.
والضمير في قوله بِهِ يعود إلى مجموع ما ذكر، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور وسُبُلَ جمع سبيل بمعنى طريق. والسَّلامِ مصدر بمعنى السلامة.
والمعنى: قد جاءكم- يا معشر أهل الكتاب- من الله نور وكتاب مبين. يهدى الله- تعالى- بذلك أو بالكتاب مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ أى: من علم- سبحانه- منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك، أوصله- سبحانه- إلى سُبُلَ السَّلامِ أى: إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من نور وكتاب مبين. أما الثمرة الثانية فقد بينها- سبحانه- بقوله: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ.
والضمير المنصوب في قوله وَيُخْرِجُهُمْ وهو هم يعود إلى مَنِ في قوله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ باعتبار المعنى.
أى: ويخرج- سبحانه- هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإيمان بِإِذْنِهِ أى: بإرادته وعلمه.
وقوله: وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير.
أى: ويهدى- سبحانه- هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب، وهو طريق الإسلام الذي يوصل إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا أهل الكتاب إلى اتباع الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم من عند الله، بأوضح أسلوب، وأكمل بيان، وبينتا لهم ما يترتب على اتباعه صلّى الله عليه وسلّم من منافع جليلة، وفوائد عظيمة تجعلهم يسارعون إلى تصديقه إن كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وبعد أن أرشد- سبحانه- أهل الكتاب إلى الطريق القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه، عقب ذلك ببيان ما عليه النصارى من ضلال وبطلان فقال: