ثم انتقل الأخ التقى من وعظ أخيه بتطهير قلبه، إلى تذكيره بحقوق الأخوة وما تقتضيه من بر وتسامح فقال- كما حكى القرآن عنه- لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ وبسط اليد: مدها والمراد هنا: مدها بالاعتداء.
والمعنى: لئن مددت إلى- يا أخى- يدك لتقتلني ظلما وحسدا ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ فإن القتل- وخصوصا بين الأخوة جريمة منكرة، تأباها شرائع الله- تعالى- وتنفر منها العقول السليمة.
وإذا كان الأخ الظالم قابيل قد أكد تصميمه على قتل أخيه هابيل بجملة قسمية وهي لَأَقْتُلَنَّكَ فإن هابيل قد أكد عدم قتله له بجملة قسمية- أيضا وهي لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ.
فأنت ترى أن الجملة الكريمة تصور أكمل تصوير ما بين الأخيار والأشرار من تضاد.
قال الآلوسى: قيل كان هابيل أقوى من قابيل ولكنه تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله- تعالى- لأن المدافعة لم تكن جائزة في ذلك الوقت، وفي تلك الشريعة. أو تحريا لما هو الأفضل والأكثر ثوابا وهو كونه مقتولا، لا قاتلا» .
وقوله: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ جملة تعليلية مسوقة لبيان سبب امتناع هابيل عن بسط يده إلى أخيه قابيل.
أى: إنى أخاف الله رب العالمين أن يراني باسطا يدي إليك بالقتل. وقد أكد خوفه من الله- تعالى- بأن المؤكدة للقول، وبذكره له- سبحانه- بلفظ الجلالة، المشعر بأنه هو وحده صاحب السلطان، وبوصفه له عز وجل بأنه رب العالمين، أى: منشئ الكون ومن وما فيه، وصاحب النعم التي لا تحصى على خلقه.
وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد لقابيل لخشية الله على أتم وجه، وتعريض بأن القاتل لا يخاف الله.