وقوله: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.. بدل من الموصول الأول وهو قوله: الَّذِينَ كَفَرُوا.. أو عطف بيان له.
أى: إن شر الدواب عند الله الذين أصروا على الكفر ورسخوا فيه، الذين عاهَدْتَ مِنْهُمْ أى: أخذت منهم عهدهم، ثم ينقضون عهدهم في كل مرة دون أن يفوا بعهودهم ولو مرة واحدة من المرات المتعددة.
فقوله: عاهَدْتَ مضمن معنى الأخذ، ولذا عدى بمن.
قال الآلوسى: قوله: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ.. بدل من الموصول الأول، أو عطف بيان، أو نعت، أو خبر مبتدأ محذوف، أو نصب على الذم، وعائد الموصول قيل: ضمير الجمع المجرور، والمراد: عاهدتهم، ومن للإيذان بأن المعاهدة- التي هي عبارة عن إعطاء العهد وأخذه من الجانبين- معتبرة هنا من حيث أخذه صلى الله عليه وسلم، إذ هو المناط لما نعى عليهم من النقض، لا إعطاؤه- عليه الصلاة والسلام إياهم عهده كأنه قيل: الذين أخذت منهم عهدهم، وقال أبو حيان: تبعيضية، لأن المباشر بعضهم لا كلهم..» .
وقوله: ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ معطوف على الصلة.
وكان العطف «بثم» المفيدة للتراخي، للإيذان بالتفاوت الشديد بين ما أخذ عليهم من عهود، وبين ما تردوا فيه من نقض لها، واستهانة بها.
وجيء بصيغة المضارع يَنْقُضُونَ المفيدة للحال والاستقبال، للدلالة على تعدد النقض وتجدده، وأنهم على نيته في كل مرة يعاهدون فيها غيرهم.
وقوله: وَهُمْ لا يَتَّقُونَ في موضع الحال من فاعل يَنْقُضُونَ.
أى: أن هؤلاء القوم دأبهم نقض العهود والمواثيق في كل وقت، ومع ذلك فحالهم وشأنهم أنهم لا يشعرون خلال نقضهم للعهود بأى تحرج أو خجل، بل يرتكبون ما يرتكبون من المنكرات دون أن يتقوا عارها، أو يخشوا سوء عاقبتها.