ثم زاد- سبحانه- المؤمنين فضلا ومنه فقال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قال الآلوسى روى أنه لما نزلت الآية الأولى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى.. كف الصحابة أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت هذه الآية.
فالمراد بقوله مِمَّا غَنِمْتُمْ إما الفدية وإما مطلق الغنائم، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية، وإلا فحل الغنيمة مما عداها علم سابقا من قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ..
وقيل المراد بقوله: مِمَّا غَنِمْتُمْ الغنائم من غير اندراج الفدية فيها، لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهدا منهم، لا ظنا لحرمتها.. والفاء للعطف على سبب مقدر، أى قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم.
والمعنى: لقد عفوت عنكم- أيها المؤمنون- فيما وقعتم فيه من تفضيلكم أخذ الفداء من الأسرى على قتلهم، وأبحت لكم الانتفاع بالغنائم فكلوا مما غنمتم من أعدائكم حلالا طيبا، أى لذيذا هنيئا لا شبهة في أكله ولا ضرر وَاتَّقُوا اللَّهَ في كل أحوالكم بأن تخشوه وتراقبوه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولذا غفر لكم ما فرط منكم وأباح لكم ما أخذتموه من فداء. فسبحانه من إله واسع الرحمة والمغفرة، لمن اتقاه وتاب إليه توبة صادقة.
وقوله حَلالًا حال من «ما» الموصولة في قوله: مِمَّا غَنِمْتُمْ أو صفة لمصدر محذوف، أى: أكلا حلالا.
ووصف هذا المأمور بأكله بأنه حلال طيب، تأكيدا للإباحة حتى يقبلوا على الأكل منه بدون تحرج أو تردد، فإن معاتبتهم على أخذ الفداء قبل ذلك جعلتهم يترددون في الانتفاع به وبما غنموه من أعدائهم.
ثم أمرت السورة النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر الأسرى بأنهم إذا ما فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له، - سبحانه- سيعوضهم عما فقدوه خيرا منه، أما إذا استمروا في كفرهم وعنادهم فإن الدائرة ستدور عليهم. استمع إلى السورة الكريمة وهي تصور هذا المعنى بأسلوبها البليغ فتقول: