تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  يوسف الأية 33


سورة Sura   يوسف   Yusuf
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
الصفحة Page 239
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33)

قوله تعالى : قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين

قوله تعالى : قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه أي دخول السجن ، فحذف المضاف ; قاله الزجاج والنحاس . " أحب إلي " أي أسهل علي وأهون من الوقوع في المعصية ; لا أن دخول السجن مما يحب على التحقيق . وحكي أن يوسف - عليه السلام - لما قال : السجن أحب إلي أوحى الله إليه " يا يوسف ! أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب إلي ، ولو قلت العافية أحب إلي لعوفيت " . وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قرأ : " السجن " بفتح السين وحكي أن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج ويعقوب ; وهو مصدر سجنه سجنا .

وإلا تصرف عني كيدهن أي كيد النسوان . وقيل : كيد النسوة اللاتي رأينه ؟ فإنهن أمرنه بمطاوعة امرأة العزيز ، وقلن له : هي مظلومة وقد ظلمتها . وقيل : طلبت كل واحدة أن تخلو به للنصيحة في امرأة العزيز ; والقصد بذلك أن تعذله في حقها ، وتأمره بمساعدتها ، فلعله يجيب ; فصارت كل واحدة تخلو به على حدة فتقول له : يا يوسف ! اقض لي حاجتي فأنا خير لك من سيدتك ; تدعوه كل واحدة لنفسها وتراوده ; فقال : يا رب كانت واحدة فصرن جماعة . وقيل : كيد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة ; وكنى عنها بخطاب الجمع إما لتعظيم شأنها في الخطاب ، وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض . والكيد الاحتيال والاجتهاد ; ولهذا سميت الحرب كيدا لاحتيال الناس فيها ; قال عمر بن لجأ :

تراءت كي تكيدك أم بشر وكيد بالتبرج ما تكيد

أصب إليهن جواب الشرط ، أي أمل إليهن ، من صبا يصبو - إذا مال واشتاق - صبوا وصبوة ; قال :

إلى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبي

أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها .

وأكن من الجاهلين أي ممن يرتكب الإثم ويستحق الذم ، أو ممن يعمل عمل الجهال ; ودل هذا على أن أحدا لا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله ; ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022