تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  البقرة الأية 11


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
الصفحة Page 3
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)

قوله تعالى : وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ( إذا ) في موضع نصب على الظرف والعامل فيها : ( قالوا ) وهي تؤذن بوقوع الفعل المنتظر . قال الجوهري : ( إذا ) اسم يدل على زمان مستقبل ، ولم تستعمل إلا مضافة إلى جملة ، تقول : أجيئك إذا احمر البسر ، وإذا قدم فلان . والذي يدل على أنها اسم وقوعها موقع قولك : آتيك يوم يقدم فلان ، فهي ظرف وفيها معنى المجازاة . وجزاء الشرط ثلاثة : الفعل والفاء وإذا ، فالفعل قولك : إن تأتني آتك . والفاء : إن تأتني فأنا أحسن إليك . وإذا كقوله تعالى : وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون . ومما جاء من المجازاة بإذا في الشعر قول قيس بن الخطيم :

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب

فعطف " فنضارب " بالجزم على " كان " لأنه مجزوم ، ولو لم يكن مجزوما لقال : فنضارب ، بالنصب . وقد تزاد على " إذا " " ما " تأكيدا ، فيجزم بها أيضا ، ومنه قول الفرزدق :

فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم وكان إذا ما يسلل السيف يضرب

قال سيبويه : والجيد ما قال كعب بن زهير :

وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطا مذعورا

يعني أن الجيد ألا يجزم بإذا ، كما لم يجزم في هذا البيت . وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة : خرجت فإذا زيد ، ظرف مكان ، لأنها تضمنت جثة . وهذا مردود ; لأن المعنى خرجت فإذا حضور زيد ، فإنما تضمنت المصدر كما يقتضيه سائر ظروف الزمان ، ومنه قولهم : " اليوم خمر وغدا أمر " فمعناه وجود خمر ووقوع أمر .

قوله : ( قيل ) من القول وأصله قول ، نقلت كسرة الواو إلى القاف فانقلبت الواو ياء . ويجوز : ( قيل لهم ) بإدغام اللام في اللام وجاز الجمع بين ساكنين ; لأن الياء حرف مد ولين . قال الأخفش : ويجوز ( قيل ) بضم القاف والياء . وقال الكسائي : ويجوز إشمام القاف الضم ليدل على أنه لما لم يسم فاعله ، وهي لغة قيس ، وكذلك جيء وغيض وحيل وسيق وسيء وسيئت . وكذلك روى هشام عن ابن عباس ، ورويس عن يعقوب . وأشم منها نافع سيء وسيئت خاصة . وزاد ابن ذكوان : حيل وسيق ، وكسر الباقون في الجميع . فأما هذيل وبنو دبير من أسد وبني فقعس فيقولون : " قول " بواو ساكنة .

قوله : لا تفسدوا " لا " نهي . والفساد ضد الصلاح ، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها . فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا وهو فاسد وفسيد . والمعنى في الآية : لا تفسدوا في الأرض بالكفر وموالاة أهله ، وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن . وقيل : كانت الأرض قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فيها الفساد ، ويفعل فيها بالمعاصي ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع الفساد وصلحت الأرض . فإذا عملوا بالمعاصي فقد أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، كما قال في آية أخرى : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها .

قوله : في الأرض الأرض مؤنثة ، وهي اسم جنس ، وكان حق الواحدة منها أن يقال أرضة ، ولكنهم لم يقولوا . والجمع أرضات ; لأنهم قد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاء التأنيث بالتاء كقولهم : عرسات . ثم قالوا أرضون فجمعوا بالواو والنون ، والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصا كثبة وظبة ، ولكنهم جعلوا الواو والنون عوضا من حذفهم الألف والتاء وتركوا فتحة الراء على حالها ، وربما سكنت . وقد تجمع على أروض . وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون : أرض وآراض ، كما قالوا : أهل وآهال . والأراضي أيضا على غير قياس ، كأنهم جمعوا آرضا . وكل ما سفل فهو أرض . وأرض أريضة ، أي زكية بينة الأراضة . وقد أرضت بالضم ، أي زكت . قال أبو عمرو : نزلنا أرضا أريضة ، أي معجبة للعين ، ويقال : لا أرض لك ، كما يقال : لا أم لك . والأرض : أسفل قوائم الدابة ، قال حميد يصف فرسا :

ولم يقلب أرضها البيطار ولا لحبليه بها حبار

أي أثر والأرض : النفضة والرعدة . روى حماد بن سلمة عن قتادة عن عبد الله بن الحارث قال : زلزلت الأرض بالبصرة ، فقال ابن عباس : والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض ؟ أي أم بي رعدة ، وقال ذو الرمة يصف صائدا :

إذا توجس ركزا من سنابكها أو كان صاحب أرض أو به الموم

والأرض : الزكام . وقد آرضه الله إيراضا ، أي أزكمه فهو مأروض . وفسيل مستأرض ، وودية مستأرضة ( بكسر الراء ) وهو أن يكون له عرق في الأرض ، فأما إذا نبت على جذع النخل فهو الراكب . والإراض ( بالكسر ) : بساط ضخم من صوف أو وبر . ورجل أريض ، أي متواضع خليق للخير . قال الأصمعي يقال : هو آرضهم أن يفعل ذلك ، أي أخلقهم . وشيء عريض أريض إتباع له ، وبعضهم يفرده ويقول : جدي أريض أي سمين .

قوله : ( نحن ) أصل ( نحن ) نحن ، قلبت حركة الحاء على النون وأسكنت الحاء ، قاله هشام بن معاوية النحوي . وقال الزجاج : نحن لجماعة ، ومن علامة الجماعة الواو ، والضمة من جنس الواو ، فلما اضطروا إلى حركة ( نحن ) لالتقاء الساكنين حركوها بما يكون للجماعة . قال : لهذا ضموا واو الجمع في قوله عز وجل : أولئك الذين اشتروا الضلالة وقال محمد بن يزيد : ( نحن ) مثل قبل وبعد ; لأنها متعلقة بالإخبار عن اثنين وأكثر ، ف " أنا " للواحد " و ( نحن ) للتثنية والجمع ، وقد يخبر به المتكلم عن نفسه في قوله : نحن قمنا ، قال الله تعالى : نحن قسمنا بينهم معيشتهم والمؤنث في هذا إذا كانت متكلمة بمنزلة المذكر ، تقول المرأة : قمت وذهبت ، وقمنا وذهبنا ، وأنا فعلت ذاك ، ونحن فعلنا . هذا كلام العرب فاعلم .

قوله تعالى : ( مصلحون ) اسم فاعل من أصلح . والصلاح : ضد الفساد . وصلح الشيء ( بضم اللام وفتحها ) لغتان ، قال ابن السكيت . والصلوح ( بضم الصاد ) مصدر صلح ( بضم اللام ) ، قال الشاعر :

فكيف بإطراقي إذا ما شتمتني وما بعد شتم الوالدين صلوح

وصلاح من أسماء مكة . والصلح ( بكسر الصاد ) : نهر .

وإنما قالوا ذلك على ظنهم ; لأن إفسادهم عندهم إصلاح ، أي أن ممالأتنا للكفار إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين . قال ابن عباس وغيره .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022