تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  البقرة الأية 87


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ (88)
الصفحة Page 13
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)

قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون

قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة . وقفينا أي أتبعنا والتقفية : الإتباع والإرداف ، مأخوذ من إتباع القفا وهو مؤخر العنق . تقول استقفيته إذا جئت من خلفه ، ومنه سميت قافية الشعر ; لأنها تتلو سائر الكلام . والقافية : القفا ، ومنه الحديث : يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم . والقفي والقفاوة : ما يدخر من اللبن وغيره لمن تريد إكرامه . وقفوت الرجل : قذفته بفجور . وفلان قفوتي أي تهمتي . وقفوتي أي خيرتي . قال ابن دريد كأنه من الأضداد . قال العلماء : وهذه الآية مثل قوله تعالى : ثم أرسلنا رسلنا تترى . وكل رسول جاء بعد موسى فإنما جاء بإثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى عليه السلام . ويقال : رسل ورسل لغتان ، الأولى لغة الحجاز ، والثانية لغة تميم ، وسواء كان مضافا أو غير مضاف . وكان أبو عمرو يخفف إذا أضاف إلى حرفين ، ويثقل إذا أضاف إلى حرف واحد .

قوله تعالى : وآتينا عيسى ابن مريم البينات أي الحجج والدلالات ، وهي التي ذكرها الله في " آل عمران " و " المائدة " ، قاله ابن عباس . وأيدناه أي قويناه . وقرأ مجاهد وابن محيصن " آيدناه " بالمد ، وهما لغتان . بروح القدس روى أبو مالك وأبو صالح عن ابن عباس ومعمر عن قتادة قالا : جبريل عليه السلام . وقال حسان :

وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس به خفاء

قال النحاس : وسمي جبريل روحا وأضيف إلى القدس ; لأنه كان بتكوين الله عز وجل له روحا من غير ولادة والد ولده ، وكذلك سمي عيسى روحا لهذا . وروى غالب بن عبد الله عن مجاهد قال : القدس هو الله عز وجل . وكذا قال الحسن : القدس هو الله ، وروحه جبريل . وروى أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس : بروح القدس قال : هو الاسم الذي كان يحيي به عيسى الموتى ، وقاله سعيد بن جبير وعبيد بن عمير ، وهو اسم الله الأعظم . وقيل : المراد الإنجيل ، سماه روحا كما سمى الله القرآن روحا في قوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا . والأول أظهر ، والله تعالى أعلم . والقدس : الطهارة . وقد تقدم .

قوله تعالى : أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم أي بما لا يوافقها ويلائمها ، وحذفت الهاء لطول الاسم ، أي بما لا تهواه . استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسل ، واستبعادا للرسالة . وأصل الهوى الميل إلى الشيء ، ويجمع أهواء ، كما جاء في التنزيل ، ولا يجمع أهوية ، على أنهم قد قالوا في ندى : أندية ، قال الشاعر :

في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا

قال الجوهري : وهو شاذ وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار ، ولذلك لا يستعمل في الغالب إلا فيما ليس بحق وفيما لا خير فيه ، وهذه الآية من ذلك . وقد يستعمل في الحق ، ومنه قول عمر رضي الله عنه في أسارى بدر : فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت . وقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث : والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . أخرجهما مسلم .

قوله تعالى : ففريقا كذبتم ففريقا منصوب ب كذبتم ، وكذا وفريقا تقتلون فكان ممن كذبوه عيسى ومحمد عليهما السلام ، وممن قتلوه يحيى وزكريا عليهما السلام ، على ما يأتي بيانه في " سبحان " إن شاء الله تعالى .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022