تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  البقرة الأية 205


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
۞ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)
الصفحة Page 32
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)

قوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد

وقوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها قيل : " تولى وسعى " من فعل القلب ، فيجيء " تولى " بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه . و " سعى " أي سعى بحيلته وإرادته الدوائر على الإسلام وأهله ، عن ابن جريج وغيره . وقيل : هما فعل الشخص ، فيجيء تولى بمعنى أدبر وذهب عنك يا محمد . و سعى أي بقدميه فقطع الطريق وأفسدها ، عن ابن عباس وغيره . وكلا السعيين فساد . يقال : سعى الرجل يسعى سعيا ، أي عدا ، وكذلك إذا عمل وكسب . وفلان يسعى على عياله أي يعمل في نفعهم .

قوله تعالى : " ويهلك " عطف على " ليفسد " . وفي قراءة أبي " وليهلك " . وقرأ الحسن وقتادة " ويهلك " بالرفع ، وفي رفعه أقوال : يكون معطوفا على " يعجبك " . وقال أبو حاتم : هو معطوف على " سعى " لأن معناه يسعى ويهلك ، وقال أبو إسحاق : وهو يهلك . وروي عن ابن كثير " ويهلك " بفتح الياء وضم الكاف ، " الحرث والنسل " مرفوعان ب " يهلك " ، وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وأبي حيوة وابن محيصن ، ورواه عبد الوارث عن أبي عمرو . وقرأ قوم " ويهلك " بفتح الياء واللام ، ورفع الحرث ؛ لغة هلك يهلك ، مثل ركن يركن ، وأبى يأبى ، وسلى يسلى ، وقلى يقلى ، وشبهه . والمعني في الآية الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر ، قاله الطبري . قال غيره : ولكنها صارت عامة لجميع الناس ، فمن عمل مثل عمله استوجب تلك اللعنة والعقوبة . قال بعض العلماء : إن من يقتل حمارا أو يحرق كدسا استوجب الملامة ، ولحقه الشين إلى يوم القيامة . وقال مجاهد : المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل . وقيل : الحرث النساء ، والنسل الأولاد ، وهذا لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ووقوع القتال ، وفيه هلاك الخلق ، قال معناه الزجاج . والسعي في الأرض المشي بسرعة ، وهذه عبارة عن إيقاع الفتنة والتضريب بين الناس ، والله أعلم .

وفي الحديث : إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده . وسيأتي بيان هذا إن شاء الله تعالى .

قوله تعالى : الحرث والنسل الحرث في اللغة : الشق ، ومنه المحراث لما يشق به الأرض . والحرث : كسب المال وجمعه ، وفى الحديث : احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا . والحرث الزرع . والحراث الزراع . وقد حرث واحترث ، مثل زرع وازدرع ويقال : احرث القرآن ، أي ادرسه . وحرثت الناقة وأحرثتها ، أي سرت عليها حتى هزلت وحرثت النار حركتها . والمحراث : ما يحرك به نار التنور ، عن الجوهري . والنسل : ما خرج من كل أنثى من ولد . وأصله الخروج والسقوط ، ومنه نسل الشعر ، وريش الطائر ، والمستقبل ينسل ، ومنه إلى ربهم ينسلون ، من كل حدب ينسلون وقال امرؤ القيس :

وإن كنت قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

قلت : ودلت الآية على الحرث وزراعة الأرض ، وغرسها بالأشجار حملا على الزرع ، وطلب النسل ، وهو نماء الحيوان ، وبذلك يتم قوام الإنسان . وهو يرد على من قال بترك الأسباب ، وسيأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .

قوله تعالى : والله لا يحب الفساد قال العباس بن الفضل : الفساد هو الخراب . وقال سعيد بن المسيب : قطع الدراهم من الفساد في الأرض . وقال عطاء : إن رجلا يقال له عطاء بن منبه أحرم في جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها . قال قتادة : قلت لعطاء : إنا كنا نسمع أن يشقها ، فقال عطاء : إن الله لا يحب الفساد .

قلت : والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى . قيل : معنى لا يحب الفساد أي لا يحبه من أهل الصلاح ، أو لا يحبه دينا . ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به ، والله أعلم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022