تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  البقرة الأية 158


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ۞ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (162) وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (163)
الصفحة Page 24
۞ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)

قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم فيه تسع مسائل :

الأولى : روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وخرج الترمذي عن عروة قال : قلت لعائشة ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا ، وما أبالي ألا أطوف بينهما . فقالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ! طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون ، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولو كانت كما تقول لكانت : " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال : إن هذا لعلم ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف [ بالبيت ] ولم نؤمر به بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء . قال : " هذا حديث حسن صحيح " . أخرجه البخاري بمعناه ، وفيه بعد قوله فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله : قالت عائشة وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال : إن هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة - ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة ، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا : يا رسول الله ، كنا نطوف بالصفا والمروة ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة ؟ فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية . قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما : في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت " . وروى الترمذي عن عاصم بن سليمان الأحول قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كانا من شعائر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هما تطوع ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : هذا حديث حسن صحيح . خرجه البخاري أيضا . وعن ابن عباس قال كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل كله بين الصفا والمروة وكان بينهما آلهة ، فلما ظهر الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله ، لا نطوف بين الصفا والمروة فإنهما شرك ، فنزلت . وقال الشعبي : كان على الصفا في الجاهلية صنم يسمى " إسافا " وعلى المروة صنم يسمى " نائلة " فكانوا يمسحونهما إذا طافوا ، فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك ، فنزلت الآية .

الثانية : أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس ، وهو هنا جبل بمكة معروف ، وكذلك المروة جبل أيضا ، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف . وذكر الصفا لأن آدم المصطفى صلى الله عليه وسلم وقف عليه فسمي به ، ووقفت حواء على المروة فسميت باسم المرأة ، فأنث لذلك ، والله أعلم . وقال الشعبي : كان على الصفا صنم يسمى [ إسافا ] وعلى المروة صنم يدعى [ نائلة ] فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر ، وهذا حسن ; لأن الأحاديث المذكورة تدل على هذا المعنى . وما كان كراهة من كره الطواف بينهما إلا من أجل هذا ، حتى رفع الله الحرج في ذلك . وزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله حجرين فوضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا من دون الله ، والله تعالى أعلم . والصفا ( مقصور ) : جمع صفاة ، وهي الحجارة الملس . وقيل : الصفا اسم مفرد ، وجمعه صفي ( بضم الصاد ) وأصفاء على مثل أرحاء . قال الراجز [ هو الأخيل ] :

كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي

وقيل : من شروط الصفا البياض والصلابة ، واشتقاقه من صفا يصفو ، أي خلص من التراب والطين . والمروة ( واحدة المرو ) وهي الحجارة الصغار التي فيها لين . وقد قيل إنها الصلاب . والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته ، وفي هذا يقال : المرو أكثر ويقال في الصليب . قال الشاعر :

وتولى الأرض خفا ذابلا فإذا ما صادف المرو رضخ

وقال أبو ذؤيب :

حتى كأن للحوادث مروة بصفا المشقر كل يوم تقرع

وقد قيل : إنها الحجارة السود . وقيل : حجارة بيض براقة تكون فيها النار .

الثالثة : من شعائر الله أي من معالمه ومواضع عباداته ، وهي جمع شعيرة . والشعائر : المتعبدات التي أشعرها الله تعالى ، أي جعلها أعلاما للناس ، من الموقف والسعي والنحر . والشعار : العلامة ، يقال : أشعر الهدي أعلمه بغرز حديدة في سنامه ، من قولك : أشعرت أي أعلمت ، وقال الكميت :

نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب

الرابعة : قوله تعالى : فمن حج البيت أي قصد . وأصل الحج القصد ، قال الشاعر :

فأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا

السب : لفظ مشترك . قال أبو عبيدة : السب ( بالكسر ) الكثير السباب . وسبك أيضا الذي يسابك ، قال الشاعر [ هو عبد الرحمن بن حسان ] :

لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريم

والسب أيضا الخمار ، وكذلك العمامة ، قال المخبل السعدي :

يحجون سب الزبرقان المزعفرا

والسب أيضا الحبل في لغة هذيل ، قال أبو ذؤيب :

تدلى عليها بين سب وخيطة بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها

والسبوب : الحبال . والسب : شقة كتان رقيقة ، والسبيبة مثله ، والجمع السبوب والسبائب ، قاله الجوهري . وحج الطبيب الشجة إذا سبرها بالميل ، قال الشاعر [ هو عذار بن درة الطائي ] :

يحج مأمومة في قعرها لجف

اللجف : الخسف . تلجفت البئر : انخسف أسفلها . ثم اختص هذا الاسم بالقصد إلى البيت الحرام لأفعال مخصوصة .

الخامسة : قوله تعالى : أو اعتمر أي زار والعمرة : الزيارة ، قال الشاعر [ هو العجاج ] :

لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر

السادسة : قوله تعالى : فلا جناح عليه أي لا إثم . وأصله من الجنوح وهو الميل ، ومنه الجوانح للأعضاء لاعوجاجها . وقد تقدم تأويل عائشة لهذه الآية . قال ابن العربي : " وتحقيق القول فيه أن قول القائل : لا جناح عليك أن تفعل ، إباحة الفعل . وقوله : لا جناح عليك ألا تفعل ، إباحة لترك الفعل ، فلما سمع عروة قول الله تعالى : فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هذا دليل على أن ترك الطواف جائز ، ثم رأى الشريعة مطبقة على أن الطواف لا رخصة في تركه فطلب الجمع بين هذين المتعارضين . فقالت له عائشة : ليس قوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما دليلا على ترك الطواف ، إنما كان يكون دليلا على تركه لو كان " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ، ولا فيه دليل عليه ، وإنما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان يتحرج منه في الجاهلية ، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصدا للأصنام التي كانت فيه ، فأعلمهم الله سبحانه أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطلا " .

فإن قيل : فقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قرأ " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " وهي قراءة ابن مسعود ، ويروى أنها في مصحف أبي كذلك ، ويروى عن أنس مثل هذا . والجواب أن ذلك خلاف ما في المصحف ، ولا يترك ما قد ثبت في المصحف إلى قراءة لا يدرى أصحت أم لا ، وكان عطاء يكثر الإرسال عن ابن عباس من غير سماع . والرواية في هذا عن أنس قد قيل إنها ليست بالمضبوطة ، أو تكون " لا " زائدة للتوكيد ، كما قال :

وما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا

السابعة : روى الترمذي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وصلى خلف المقام ، ثم أتى الحجر فاستلمه ثم قال : ( نبدأ بما بدأ الله به ) فبدأ بالصفا وقال إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة ، فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا .

الثامنة : واختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة ، فقال الشافعي وابن حنبل : هو ركن ، وهو المشهور من مذهب مالك ، لقوله عليه السلام : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي . خرجه الدارقطني . وكتب بمعنى أوجب ، لقوله تعالى : كتب عليكم الصيام وقوله عليه السلام : خمس صلوات كتبهن الله على العباد . وخرج ابن ماجه عن أم ولد لشيبة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا فمن تركه أو شوطا منه ناسيا أو عامدا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة فيطوف ويسعى ، لأن السعي لا يكون إلا متصلا بالطواف . وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن في العمرة فرضا ، فإن كان قد أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسكه . وقال الشافعي : عليه هدي ، ولا معنى للعمرة إذا رجع وطاف وسعى . وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي : ليس بواجب ، فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم ; لأنه سنة من سنن الحج . وهو قول مالك في العتبية . وروي عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين أنه تطوع ، لقوله تعالى : ومن تطوع خيرا . وقرأ حمزة والكسائي " يطوع " مضارع مجزوم ، وكذلك فمن تطوع خيرا فهو خير له الباقون تطوع ماض ، وهو ما يأتيه المؤمن من قبل نفسه فمن أتى بشيء من النوافل فإن الله يشكره . وشكر الله للعبد إثابته على الطاعة . والصحيح ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى لما ذكرنا ، وقوله عليه السلام : خذوا عني مناسككم فصار بيانا لمجمل الحج ، فالواجب أن يكون فرضا ، كبيانه لعدد الركعات ، وما كان مثل ذلك إذا لم يتفق على أنه سنة أو تطوع .

وقال طليب : رأى ابن عباس قوما يطوفون بين الصفا والمروة فقال : هذا ما أورثتكم أمكم أم إسماعيل .

قلت : وهذا ثابت في صحيح البخاري على ما يأتي بيانه في سورة " إبراهيم " .

التاسعة : ولا يجوز أن يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر ، فإن طاف معذورا فعليه دم ، وإن طاف غير معذور أعاد إن كان بحضرة البيت ، وإن غاب عنه أهدى . إنما قلنا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بنفسه وقال : خذوا عني مناسككم . وإنما جوزنا ذلك من العذر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره واستلم الركن بمحجنه وقال لعائشة وقد قالت له : إني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة . وفرق أصحابنا بين أن يطوف على بعير أو يطوف على ظهر إنسان ، فإن طاف على ظهر إنسان لم يجزه ; لأنه حينئذ لا يكون طائفا ، وإنما الطائف الحامل . وإذا طاف على بعير يكون هو الطائف . قال ابن خويز منداد : وهذه تفرقة اختيار ، وأما الإجزاء فيجزئ ، ألا ترى أنه لو أغمي عليه فطيف به محمولا ، أو وقف به بعرفات محمولا كان مجزئا عنه .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022