قوله تعالى : ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ومنهم أي من الناس ، وهم المسلمون يطلبون خير الدنيا والآخرة ، واختلف في تأويل الحسنتين على أقوال عديدة ، فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الحسنة في الدنيا المرأة الحسناء ، وفي الآخرة الحور العين . " وقنا عذاب النار " : المرأة السوء .
قلت : وهذا فيه بعد ، ولا يصح عن علي ; لأن النار حقيقة في النار المحرقة ، وعبارة المرأة عن النار تجوز ، وقال قتادة : حسنة الدنيا العافية في الصحة وكفاف المال ، وقال الحسن : حسنة الدنيا العلم والعبادة ، وقيل غير هذا . والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعم الدنيا والآخرة ، وهذا هو الصحيح ، فإن اللفظ يقتضي هذا كله ، فإن " حسنة " نكرة في سياق الدعاء ، فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل . وحسنة الآخرة : الجنة بإجماع . وقيل : لم يرد حسنة واحدة ، بل أراد : أعطنا في الدنيا عطية حسنة ، فحذف الاسم .
الثانية : قوله تعالى : وقنا عذاب النار أصل " قنا " أوقنا حذفت الواو كما حذفت في يقي ويشي ; لأنها بين ياء وكسرة ، مثل يعد ، هذا قول البصريين ، وقال الكوفيون : حذفت فرقا بين اللازم والمتعدي . قال محمد بن يزيد : هذا خطأ ; لأن العرب تقول ، ورم يرم ، فيحذفون الواو ، والمراد بالآية الدعاء في ألا يكون المرء ممن يدخلها بمعاصيه وتخرجه الشفاعة ، ويحتمل أن يكون دعاء مؤكدا لطلب دخول الجنة ، لتكون الرغبة في معنى النجاة والفوز من الطرفين ، كما قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم أنا إنما أقول في دعائي : اللهم أدخلني الجنة وعافني من النار ، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : حولها ندندن خرجه أبو داود في سننه وابن ماجه أيضا .
الثالثة : هذه الآية من جوامع الدعاء التي عمت الدنيا والآخرة . قيل لأنس : ادع الله لنا ، فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قالوا : زدنا . قال : ما تريدون قد سألت الدنيا والآخرة ! وفي الصحيحين عن أنس قال : كان أكثر دعوة يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : فكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ، وفي حديث عمر أنه كان يطوف بالبيت وهو يقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ما له هجيرى غيرها ، ذكره أبو عبيد ، وقال ابن جريج : بلغني أنه كان يأمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقف هذه الآية : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وقال ابن عباس : إن عند الركن ملكا قائما منذ خلق الله السماوات والأرض يقول آمين ، فقولوا : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وسئل عطاء بن أبي رباح عن الركن اليماني وهو يطوف بالبيت ، فقال عطاء : حدثني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكل به سبعون ملكا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين . . . الحديث . خرجه ابن ماجه في السنن ، وسيأتي بكماله مسندا في [ الحج ] إن شاء الله تعالى .