قوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب
قوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام الدين في هذه الآية الطاعة والملة ، والإسلام بمعنى الإيمان والطاعات ; قاله أبو العالية ، وعليه جمهور المتكلمين . والأصل في مسمى الإيمان والإسلام التغاير ; لحديث جبريل . وقد يكون بمعنى المرادفة . فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر ; كما في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال : ( هل تدرون ما الإيمان ) ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم ) الحديث . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإيمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله ) أخرجه الترمذي . وزاد مسلم ( والحياء شعبة من الإيمان ) . ويكون أيضا بمعنى التداخل وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر ، كما في هذه الآية إذ قد دخل فيها التصديق والأعمال ; ومنه قوله عليه السلام : الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان . أخرجه ابن ماجه ، وقد تقدم والحقيقة هو الأول وضعا وشرعا وما عداه من باب التوسع ، والله أعلم .
قوله تعالى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الآية أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب أنه كان على علم منهم بالحقائق ، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا . قاله ابن عمر وغيره . وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم ; قاله الأخفش . قال محمد بن جعفر بن الزبير : المراد بهذه الآية النصارى ، وهي توبيخ لنصارى نجران . وقال الربيع بن أنس : المراد بها اليهود . ولفظ الذين أوتوا الكتاب يعم اليهود والنصارى ; أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان صفته ونبوته في كتبهم . وقيل : أي وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل في أمر عيسى وفرقوا فيه القول إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله إله واحد ، وأن عيسى عبد الله ورسوله . بغيا نصب على المفعول من أجله ، أو على الحال من الذين ، والله تعالى أعلم .