قوله تعالى : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين
قال ابن عباس : إن رجلا من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم ; فأرسل إلى قومه : سلوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل لي من توبة ؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : هل له من توبة ؟ فنزلت كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله : غفور رحيم . فأرسل إليه فأسلم . أخرجه النسائي . وفي رواية أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، فأنزل الله كيف يهدي الله قوما كفروا إلى قوله : إلا الذين تابوا فبعث بها قومه إليه ، فلما قرئت عليه قال : والله ما كذبني قومي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أكذبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، والله عز وجل أصدق الثلاثة ; فرجع تائبا ، فقبل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركه . وقال الحسن : نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويستفتحون على الذين كفروا ; فلما بعث عاندوا وكفروا ، فأنزل الله عز وجل : أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . ثم قيل : كيف لفظة استفهام ومعناه الجحد ، أي لا يهدي الله . ونظيره قوله : كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ; أي لا يكون لهم عهد ; وقال الشاعر :
كيف نومي على الفراش ولما يشمل القوم غارة شعواء
أي لا نوم لي .
والله لا يهدي القوم الظالمين يقال : ظاهر الآية أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالما ، لا يهديه الله ; وقد رأينا كثيرا من المرتدين قد أسلموا وهداهم الله ، وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظلم . قيل له : معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يقبلون على الإسلام ; فأما إذا أسلموا وتابوا فقد وفقهم الله لذلك . والله تعالى أعلم .