تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  آل عمران الأية 93


سورة Sura   آل عمران   Aal-Imran
لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) ۞ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)
الصفحة Page 62
۞ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93)

قوله تعالى : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين

فيه أربع مسائل :

الأولى : حلا أي حلالا ، ثم استثنى فقال : إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وهو يعقوب عليه السلام . في الترمذي عن ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبرنا ، ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : ( كان يسكن البدو فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها ) . قالوا : صدقت . وذكر الحديث . ويقال : إنه نذر إن برأ منه ليتركن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : أقبل يعقوب عليه السلام من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو ، وكان رجلا بطشا قويا ، فلقيه ملك فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه ، فغمز الملك فخذ يعقوب عليه السلام ، ثم صعد الملك إلى السماء ويعقوب ينظر إليه فهاج عليه عرق النسا ، ولقي من ذلك بلاء شديدا ، فكان لا ينام الليل من الوجع ويبيت وله زقاء أي صياح ، فحلف يعقوب عليه السلام إن شفاه الله جل وعز ألا يأكل عرقا ، ولا يأكل طعاما فيه عرق فحرمها على نفسه ; فجعل بنوه يتبعون بعد ذلك العروق فيخرجونها من اللحم . وكان سبب غمز الملك ليعقوب أنه كان نذر إن وهب الله له اثني عشر ولدا وأتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم . فكان ذلك للمخرج من نذره ; عن الضحاك .

الثانية : واختلف هل كان التحريم من يعقوب باجتهاد منه أو بإذن من الله تعالى ؟ والصحيح الأول ; لأن الله تعالى أضاف التحريم إليه بقوله تعالى : إلا ما حرم وأن النبي إذا أداه اجتهاده إلى شيء كان دينا يلزمنا اتباعه لتقرير الله سبحانه إياه على ذلك . وكما يوحى إليه ويلزم اتباعه ، كذلك يؤذن له ويجتهد ، ويتعين موجب اجتهاده إذا قدر عليه ، ولولا تقدم الإذن له في تحريم ذلك ما تسور على التحليل والتحريم . وقد حرم نبينا - صلى الله عليه وسلم - العسل على الرواية الصحيحة ، أو خادمه مارية فلم يقر الله تحريمه ونزل : لم تحرم ما أحل الله لك على ما يأتي بيانه في ( التحريم ) . قال الكيا الطبري : فيمكن أن يقال : مطلق قوله تعالى : لم تحرم ما أحل الله يقتضي ألا يختص بمارية ; وقد رأى الشافعي أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى ، فجعلها مخصوصا بموضع النص ، وأبو حنيفة رأى ذلك أصلا في تحريم كل مباح وأجراه مجرى اليمين .

الثالثة : قوله تعالى : قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين قال ابن عباس : لما أصاب يعقوب عليه السلام عرق النسا وصف الأطباء له أن يجتنب لحوم الإبل فحرمها على نفسه . فقالت اليهود : إنما نحرم على أنفسنا لحوم الإبل ; لأن يعقوب حرمها وأنزل الله تحريمها في التوراة ; فأنزل الله هذه الآية . قال الضحاك : فكذبهم الله ورد عليهم فقال : يا محمد قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فلم يأتوا .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022