تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الواقعة الأية 82


سورة Sura   الواقعة   Al-Waaqia
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
الحديد Al-Hadid
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
الصفحة Page 537
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)

قوله تعالى : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال ابن عباس : تجعلون شكركم التكذيب . وذكر الهيثم بن عدي : أن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان ؟ أي : ما شكره . وإنما صلح أن يوضع اسم الرزق مكان شكره ، لأن شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه فيكون الشكر رزقا على هذا المعنى . فقيل : وتجعلون رزقكم أي : شكر رزقكم الذي لو وجد منكم لعاد رزقا لكم أنكم تكذبون بالرزق أي : تضعوا الرزق مكان الشكر ، كقوله تعالى : وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية أي : لم يكونوا يصلون ولكنهم كانوا يصفرون ويصفقون مكان الصلاة . ففيه بيان أن ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكن أسبابا ، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى ، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة ، أو صبر إن كان مكروها تعبدا له وتذللا . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " حقيقة . وعن ابن عباس أيضا : أن المراد به الاستسقاء بالأنواء ، وهو قول العرب : مطرنا بنوء كذا ، رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا ، قال : فنزلت هذه الآية : فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون . وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فعطشوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتم إن دعوت الله لكم فسقيتم لعلكم تقولون : هذا المطر بنوء كذا فقالوا : يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء . فصلى ركعتين ، ودعا ربه ، فهاجت ريح ، ثم هاجت سحابة ، فمطروا ، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عصابة من أصحابه برجل يغترف بقدح له وهو يقول : سقينا بنوء كذا ، ولم يقل هذا من رزق الله فنزلت : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي : شكركم لله على رزقه إياكم أنكم تكذبون بالنعمة وتقولون : سقينا بنوء كذا ، كقولك : جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي ، وجعلت إنعامي لديك أن اتخذتني عدوا . وفي الموطإ عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس وقال : أتدرون ماذا قال ربكم قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك مؤمن بالكوكب كافر بي . قال الشافعي رحمه الله : لا أحب أحدا أن يقول مطرنا بنوء كذا وكذا ، وإن كان النوء عندنا الوقت المخلوق لا يضر ولا ينفع ، ولا يمطر ولا يحبس شيئا من المطر ، والذي أحب أن يقول : مطرنا وقت كذا ، كما تقول مطرنا شهر كذا ، ومن قال : مطرنا بنوء كذا ، وهو يريد أن النوء أنزل الماء ، كما عنى بعض أهل الشرك من الجاهلية بقوله فهو كافر ، حلال دمه إن لم يتب . وقال أبو عمر بن عبد البر : وأما قوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن الله سبحانه : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمعناه عندي على وجهين ؛ أما أحدهما : فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء ، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل فذلك كافر كفرا صريحا يجب استتابته عليه وقتله إن أبى ؛ لنبذه الإسلام ورده القرآن . والوجه الآخر أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء ، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه ، وهذا وإن كان وجها مباحا ، فإن فيه أيضا كفرا بنعمة الله عز وجل ، وجهلا بلطيف حكمته في أنه ينزل الماء متى شاء ، مرة بنوء كذا ، ومرة بنوء كذا ، وكثيرا ما ينوء النوء فلا ينزل معه شيء من الماء ، وذلك من الله تعالى لا من النوء . وكذلك كان أبو هريرة يقول إذا أصبح وقد مطر : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يتلو : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها قال أبو عمر : وهذا عندي نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : مطرنا بفضل الله ورحمته . ومن هذا الباب قول عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب حين استسقى به : يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال العباس : العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد سقوطها . فما مضت سابعة حتى مطروا ، فقال عمر : الحمد لله هذا بفضل الله ورحمته . وكان عمر رحمه الله قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل فسأله عنه ، أخرج أم بقيت منه بقية ؟ . وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في بعض أسفاره يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت بل هو سقيا الله عز وجل قال سفيان : عثانين الأسد الذراع والجبهة . وقراءة العامة تكذبون من التكذيب . وقرأ المفضل عن عاصم ويحيى بن وثاب " تكذبون " بفتح التاء مخففا . ومعناه ما قدمناه من قول من قال : مطرنا بنوء كذا . وثبت من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث لن يزلن في أمتي : التفاخر في الأحساب ، والنياحة ، والأنواء ، ولفظ مسلم في هذا أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022