وسيط - Waseet   سورة  البقرة الأية 22


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
الصفحة Page 4
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22)

ثم أضاف - سبحانه - أسباباً أخرى تحمل الناس على عبادته وطاعته فقال : ( الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً ) .

الفراش : ما يفترشه الإِنسان ليستقر عليه بنحو الجلوس أو المنام . أي : اجعلوا عبادتكم لله الذي صير الأرض لأجلكم مهاداً كالبساط المفروش ، فذللها لكم ولم يجعلها صعبة غليظة ، لكي يتهيأ لكم الاستقرار عليها . والتقلب في مناكبها ، والانتفاع بما أودع الله في باطنها من خيرات .

وتصوير الأرض بصورة الفراش لا ينافي كونها كروية ، لأن الكرة إذا عظمت جدا كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الانتفاع بها .

( والسماء بِنَآءً ) يقال لسقف البيت بناء أي : جعل السماء كالسقف للأرض ، لأنها تظهر كالقبة المضروبة فوقها كما قال - تعالى - (وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) وقدم خلق الأرض على خلق السماء لأن الأرض أقرب إلى المخاطبين ، وانتفاعهم بها أظهر وأكثر من انتفاعهم بالسماء .

قال بعض الأدباء : " إذا تأملت هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منورة كالمصابيح ، والإِنسان كما لك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهيأة لمنافعه ، وضروب الحياة مصروفة لمصالحه " فهذه جملة واضحة داله على أن العالم مخلوق بتدبير كامل ، وتقدير شامل ، وحكمة بالغة ، وقدرة غير متناهية " .

ثم قال - تعالى - ( وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ ) :

السماء : السحاب ، والثمرات : ما ينتجه الشجر . والرزق : ما يصلح لأن ينتفع به . والباء في . ( به ) للسببية .

أي : أنه جعل الماء سبباً في خروج الثمرة ، وهو القادر على أن ينشئها بلا سبب كما أنشأ الأسباب .

وأورد ( مَآءً ) و ( رِزْقاً ) في صيغة التنكير التي تستعمل عند إرادة بعض أفراد المعنى الذي وضع له اللفظ لغة ، وذلك لأن من الماء ما لم ينزل من السماء ، ومن الرزق ما لا يكون من الثمرات . فمعنى الجملة الكريمة : أنزل من السماء بعض الماء ، فأخرج به من الثمرات بعض ما يكون رزقاً لكم .

ثم قال - تعالى - ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

الأنداد : جمع ند ، وهو مثل الشيء الذي يضاده وينافره ويتباعد عنه .

وأصله من : ند البعير يند ندا ونداداً ونداً ، إذا تفرد وذهب على وجهه شارداً .

والمعنى : فلا تجعلوا لله أمثالاً ونظراء تعبدونها وتسمونها آلهة ، وتعتقدون فيها النفع والضر ، وتجعلون لها ما لله تعالى وحده ، وأنتم تعلمون أنها أشياء لا يصح جعلها أنداداً مساوية له تعالى ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي : وأنتم من ذوي العلم والنظر ، فلو تأملتم أدنى تأمل لانصرفتم بقوة إلى عبادة الله وحده .

ولتركتم الإِشراك به .

وصدرت الجملة الكريمة بالفاء لترتبها على الكلام السابق ، المترتب على الأمر بعبادة الله وحده .

وسمى القرآن الشركاء المزعومين أنداداً تهكماً بالعابدين لها ، ولأن المشركين لما تركوا عبادة الله إلى عبادة الأوثان ، وسموها آلهة شابهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة ، قادرة على مخالفته ومضادته ، وذلك معنى جعلها أنداداً الذي هو مصب النهي في الآية .

وجملة ( وأنتم تعلمون ) ، حالية ، ومفعول تعلمون متروك ، لأن الفعل لم يقصد تعليقه بمفعول ، بل قصد إثباته لفاعله فقد فنزل منزلة اللازم ، وفي هذه الجملة مبالغة في زجرهم عن عبادة الأوثان من دون الله ، لأن ارتكاب الباطل من الجاهل قبيح ، وهو من العالم ببطلانه أشد قبحاً ، وأدعى إلى أن يقابل بأغلظ ألوان الإِنكار . كما أن فيها إثارة لهممهم ليقلعوا عن عبادة غير الله ، فإن من كان من ذوي العلم لا يصح منه أن يفعل أفعال من لا عقل له ، وهذا لون جليل من ألوان التربية ، فإن من سمات المربي الناجح أن يجمع بين القسوة في النهي عن القبيح ، وبين إثارة همة الموعوظ حتى لا يقتل همته باليأس ، لأن الإِنسان إذا ساءت ظنونه بنفسه خارت عزيمته ، وفترت همته .

هذا ، وقد استفاضت الأحاديث النبوية التي تدعو إلى توحيد الله ، وتنهى عن الإِشراك ، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : " قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ " قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك " " .

قال الإِمام ابن كثير : وهذه الآية دالة على توحيده - تعالى - بالعبادة وحده لا شريك له ، فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانتها وطباعها ومنافعها ، علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه ، كما قال بعض الأعراب وقد سئل : ما الدليل على وجود الله - تعالى -؟ فقال : يا سبحانه الله!! إن البعير ليدل على البعير؛ وإن أثر القدم يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل هذا على وجود اللطيف الخبير .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022