ثم ذكر- سبحانه- آية ثالثة فقال: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: ومن آياته الدالة على قدرته التامة على كل شيء، خلقه للسموات والأرض بتلك الصورة البديعة وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ أى: واختلاف لغاتكم فهذا يتكلم بالعربية، وآخر بالفارسية وثالث بالرومية.. إلى غير ذلك مما لا يعلم عدده من اللغات، بل إن الأمة الواحدة تجد فيها عشرات اللغات التي يتكلم بها أفرادها، ومئات اللهجات وَأَلْوانِكُمْ أى: ومن آياته كذلك، اختلاف ألوانكم، فهذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أصفر، وهذا أشقر.. مع أن الجميع من أب واحد وأم واحدة وهما آدم وحواء. بل إنك لا تجد شخصين يتطابقان تطابقا تاما في خلقتهما وشكلهما.
قال صاحب الكشاف: الألسنة: اللغات. او أجناس النطق واشكاله. خالف- عز وجل- بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة، ولا حدة، ولا رخاوة، ولا فصاحة.. ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكذلك الصور وتخطيطها، والألوان وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف، ولو اتفقت وتشاكلت، وكانت ضربا واحدا، لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة ... وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون .
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي وضحناه لكم لَآياتٍ بينات لِلْعالِمِينَ- بفتح اللام- وهي قراءة الجمهور، أى: إن في ذلك لآيات لجميع أصناف العالم من بار وفاجر، ومؤمن وكافر.
وقرأ حفص- بكسر اللام- أى: إن في ذلك لآيات لأولى العلم والفهم من الناس.