ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستنكر ما عليه المشركون من كفر وإلحاد، وأن ينفى عن نفسه بشدة ما تردوا فيه من جهالة وضلالة فقال:
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.
أى: قل لهم- يا محمد- موبخا وزاجرا، بأى عقل أبحتم لأنفسكم الإشراك بالله، واتخذتم من دونه معبودا سواه، مع أنه- سبحانه- باعترافكم هو الخالق لكم وللسموات والأرض ولكل شيء؟
وقد سلطت الهمزة على المفعول الأول لا على الفعل، للإيذان بأن المستنكر إنما هو اتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولي مطلقا، ونظير هذه الآية قوله- تعالى- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.
ثم دلل- سبحانه- على أنه هو وحده المستحق للعبادة بأمرين.
أولهما: قوله- تعالى- فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
أى خالقهما ومنشئهما على غير مثال سبق، فالفطر- كما قال اللغويون- الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال يحتذي.
وثانيهما: قوله- تعالى- وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.
أى: أنه- سبحانه- هو الذي لا يحتاج إلى أحد وكل ما سواه محتاج إليه وهو الرزاق لغيره، والمنافع كلها من عنده.
وقرأ أبو عمرو (وهو يطعم ولا يطعم) بفتح الياء في الثاني. أى: وهو يرزق غيره ويطعمه أما هو- سبحانه- فلا يتناول طعاما ولا شرابا.
وهذه الجملة حالية مؤيدة لإنكار اتخاذ ولى سوى الله، وفيها تعريض بمن اتخذوا أولياء من دونه من البشر بأنهم محتاجون إلى الطعام، وأنه- سبحانه- هو الذي خلق لهم هذا الطعام فهم عاجزون عن البقاء بدونه.
ثم أمره- سبحانه- بأن يصرح أمامهم بأنه برىء من شركهم ومن أفعالهم القبيحة فقال- تعالى- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
أى: قل أيها الرسول الكريم بعد إيراد هذه الآيات والحج الدالة على وحدانية الله: إنى أمرت من خالقي أن أكون أول من يسلم له وجهه ويخصه بالعبادة، كما أنى نهيت عن أن أكون من المشركين الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى.
وصح عطف الجملة الثانية الإنشائية على الأولى الخبرية لأن الأولى خبرية في اللفظ ولكنها إنشائية في المعنى فكانت في قوة الجملة الطلبية والتقدير: كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين، ويجوز عطفها على جملة قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ وهي إنشائية في اللفظ والمعنى.