ثم قال - تعالى - { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وموسى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } .
الضمير فى قوله - تعالى - { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ } يرى ابن جرير وغيره أنه يعود إلى نوح لأنه أقرب مذكور .
ويرى جمهور المفسرين أنه يعود على إبراهيم لأن الكلام فى شأنه وفى شأن النعم التى منحها الله إياه .
وقد ذكر الله فى هذه الآيات أربعة عشر نبيا وهم :
1 - داود بن يسى من بط يهوذا من بنى إسرائيل وكانت ولادته فى بيت لحم سنة 1085 ق . م تقريبا وهو الذى قتل جالوت كما جاء فى القرآن الكريم { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } وكانت وفاته سنة 1000 ق . م تقريبا .
2 - سليمان بن داود - عليهما السلام - ولد بأورشليم حوالى سنة 1043 ق . م وتوفى سنة 975 ق . م . وقد جاء ذكر داود وسليمان فى كثير من آيات القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله - تعالى -
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين } 3 - أيوب ، قال ابن جرير : هو ابن موصى بن روم بن عيص بن إسحاق ، وروى الطبرانى أن مدة عمره كانت ثلاثة وتسعين سنة .
4 - يوسف وهو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - وكانت ولادته قبل ميلاد عيسى - عليه السلام - بألفى سنة تقريبا .
5 - موسى وهو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوى بن يعقوب وكانت ولادته حوالى القرن الرابع عشر ق . م .
6 - هارون وهو أخو موسى لأمه وقيل لأبيه وأمه ، وقيل مات قبيل موسى بزمن يسير .
7 - زكريا وهو ابن أزن بن بركيا ويتصل نسبه بسليمان - عليه السلام - وكان قريب العهد بعيسى حيث تولى كفالة أمه مريم كما جاء فى القرآن الكريم { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } 8 - يحيى وهو ابن زكريا .
9 - عيسى وهو ابن مريم . قال ابن كثير . وفى ذكر عيسى فى ذرية إبراهيم أو نوح دلالة على دخول ولد البنات فى ذرية الرجل ، لأن انتساب عيسى ليس إلا من جهة أم مريم .
10 - الياس وهو ابن فنحاص بن العيزار بن هارون أخى موسى وهو المعروف فى كتب الإسرائيليين باسم " إيليا " وقد أرسله الله إلى بنى إسرائيل حين عبدوا الأوثان قال - تعالى - { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين } ويقال إنه كان موجوداً فى زمن الملك " آخاب " ملك بنى إسرائيل فى حوالى سنة 918 ق . م .
11 - إسماعيل وهو الابن الأكبر لإبراهيم - عليهما السلام - وجد محمد صلى الله عليه وسلم .
12 - اليسع وهو ابن شافاط وكانت وفاته حوالى سنة 840 ق . م ودفن بالسامرة .
13 - يونس وهو ابن متى أرسله الله إلى أهل نينوى من بلاد أشور فى حوالى القرن الثامن ق . م .
14 - لوط وهو ابن هاران بن تارح فهو ابن أخى إبراهيم وكانت رسالته إلى أهل سدوم من شرق الأردن .
وقوله { وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } أى : وكل واحد من هؤلاء الأنبياء المذكورين لا بعضهم دون بعض فضلناه بالنبوة على العالمين من أهل عصره .
قال الجمل : اعلم أن الله - تعالى - ذكر هنا ثمانية عشر نبياً من غير ترتيب لا بحسب الزمان ولا بحسب الفضل لأن الواو لا تقتضى الترتيب ، ولكن هنا لطيفة فى هذا الترتيب وهى أن الله - تعالى - خص كل طائفة من الأنبياء بنوع من الكرامة والفضل . فذكر أولا نوحاً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أصول الأنبياء وإليهم يرجع حسبهم جميعاً . ثم من المراتب المعتبرة بعد النبوة الملك والقدرة والسلطان وقد أعطى الله من ذلك داود وسليمان حظاً وافراً .
ومن المراتب الصبر عند نزول البلاء والمحن والشدائد وقد خص الله بهذه أيوب . ثم عطف على هاتين المرتبتين من جمع بينهما وهو يوسف فإنه صبر على البلاء والشدة إلى أن آتاه الله ملك مصر مع النبوة ، ثم من المراتب المعتبرة فى تفضيل الأنبياء كثرة المعجزات وقوة البراهين وقد خص الله موسى وهارون من ذلك بالحظ الوافر ، ومن المراتب المعتبرة الزهد فى الدنيا وقد خص الله بذلك زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، ثم ذكر الله بعد هؤلاء الأنبياء من لم يبق له أتباع ولا شريعة وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط فإذا اعتبرنا هذه اللطيفة كان هذا الترتيب حسناً والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .
ومن المعروف أن الأنبياء الذين يجب الإيمان بهم على التفصيل خمسة وعشرون نبياً . وهم هؤلاء الثمانى عشرة الذين ذكروا فى هذه الآيات ، يضاف إليهم سبعة نظمهم الناظم فى قوله :
حتم على كل ذى التكليف معرفة ... بأبنياء على التفصيل قد علموا
فى تلك حجتنا منهم ثمانية ... من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
إدريس ، هود ، شعيب ، صالح وكذا ... ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا