ثم عقد- سبحانه- مقابلة بين الحياة الدنيا والآخرة. بين فيها أن الحياة الآخرة هي الحياة العالية السامية الباقية، أما الحياة الدنيا فهي إلى زوال وانتهاء فقال- تعالى-:
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
اللعب: هو العمل الذي لا يقصد به مقصدا صحيحا من تحصيل منفعة أو دفع مضرة، واللهو: هو طلب ما يشغل عن معالى الأمور وعما يهم الإنسان ويعنيه.
والمعنى: إن هذه الحياة التي نعتها الكفار بأنها لا حياة سواها ما هي إلا لهو ولعب لمن يطلبها بأنانية وشره من غير استعداد لما يكون وراءها من حياة أخرى فيها الحساب والجزاء، وفيها النعيم الذي لا ينتهى، وفيها السعادة التي لا تحد، بالنسبة للذين اتقوا ربهم، ونهوا أنفسهم عن الهوى.
فالحياة الدنيا لعب ولهو لمن اتخذوها فرصة للتكاثر والتفاخر وجمع الأموال من حلال وحرام، ولم يقيموا وزنا للأعمال الصالحة التي كلفهم الله- تعالى- بها. أما بالنسبة للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. فإن الحياة الدنيا تعتبر وسيلة إلى رضا الله الذي يظفرون به يوم القيامة، وإن ما يحصل عليه المؤمنون في هذا اليوم من ثواب جزيل ومن نعيم مقيم هو خير من الدنيا وما فيها من متعة زائلة ومن شهوات لا دوام لها.
والاستفهام في قوله- تعالى- أَفَلا تَعْقِلُونَ للحث على التدبر والتفكر والموازنة بين اللذات العاجلة الفانية التي تكون في الدنيا، وبين النعيم الدائم الباقي الذي يكون في الآخرة.
ثم أخذ القرآن الكريم في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تسليته عما أصابه من قومه فقال: