وسيط - Waseet   سورة  الأنعام الأية 99


سورة Sura   الأنعام   Al-An'aam
۞ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)
الصفحة Page 140
وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)

ثم ساق- سبحانه- حجة خامسة تدل دلالة واضحة على كمال قدرته وعلمه ورحمته وإحسانه إلى خلقه فقال- تعالى-:

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.

أى: وهو- سبحانه- الذي أنزل من السحاب ماء فأخرجنا بسبب ذلك كل صنف من أصناف النبات والثمار المختلفة في الكم والكيف والطعوم والألوان، قال- تعالى- وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

وسمى السحاب سماء لأن العرب تسمى كل ما علا سماء، ونزول الماء من السحاب قد جاء صريحا في مثل قوله- تعالى- أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ.

ومِنَ في قوله مِنَ السَّماءِ ابتدائية، لأن ماء المطر يتكون في طبقات الجو العليا الباردة عند تصاعد البخار الأرضى إليها فيصير البخار كثيفا وهو السحاب ثم يتحول إلى ماء، والباء في بِهِ للسببية. حيث جعل الله- تعالى- الماء سببا في خروج النبات، والفاء في قوله فَأَخْرَجْنا بِهِ للتفريع وفَأَخْرَجْنا عطف على أَنْزَلَ والالتفات إلى التكلم إظهار لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله.

ثم شرع- سبحانه- في تفصيل ما أجمل من الإخراج فقال: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً أى:

فأخرجنا من النبات الذي لا ساق له نباتا غضا أخضر، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة، وخضر بمعنى أخضر اسم فاعل. يقال: خضر الزرع- من باب فرح- وأخضر، فهو خضر وأخضر.

وقوله نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً. أى: نخرج من هذا النبات الخضر حَبًّا مُتَراكِباً أى:

متراكما بعضه فوق بعض كما في الحنطة والشعير وسائر الحبوب، يقال: ركبه- كسمعه- ركوبا ومراكبا. أى: علاه.

وجملة نُخْرِجُ مِنْهُ صفة لقوله «خضرا» . وعبر عنها بصيغة المضارع لاستحضار الصورة لما فيها من الغرابة لأن إخراج الحب المتراكب من هذا الخضر الغض يدعو إلى التأمل والإعجاب بمظاهر قدرة الله.

وبعد أن ذكر- سبحانه- ما ينبت من الحب أتبعه بذكر ما ينبت من النوى فقال: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ.

الطلع: أول ما يبدو ويخرج من تمر النخل كالكيزان. وقشره يسمى الكفرى وما في داخله يسمى الإغريق لبياضه.

والقنوان. جمع قنو وهو العرجون بما فيه الشماريخ، وهو ومثناه سواه لا يفرق بينهما إلا في الإعراب. أى: ونخرج بقدرتنا من طلع النخل قنوان دانية القطوف، سهلة التناول أو بعضها دان قريب من بعض لكثرة حملها.

قال صاحب الكشاف: وقِنْوانٌ رفع بالابتداء، ومِنَ النَّخْلِ خبره ومِنْ طَلْعِها بدل منه. كأنه قيل: وحاصلة من طلع النخل قنوان دانية. وذكر القريبة وترك ذكر البعيدة، لأن النعمة فيها أظهر وأدل، واكتفى بذكر القريبة على ذكر البعيدة كقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ .

وقوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ معطوف على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ أى: فأخرجنا بهذا الماء نبات كل شيء وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب. وجعله: بعضهم عطفا على خَضِراً.

وقيل هو معطوف على حَبًّا.

وقوله: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ منصوب على الاختصاص أى: وأخص من نبات كل شيء الزيتون والرمان، وقيل معطوف على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.

قال الآلوسى: وقوله: مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ إما حال من الزيتون لسبقه اكتفى به عن حال ما عطف عليه وهو الرمان والتقدير: والزيتون مشتبها وغير متشابه والرمان كذلك، وإما حال من الرمان لقربه ويقدر مثله في الأول.

وأياما كان ففي الكلام مضاف مقدر وهو بعض. أى بعض ذلك مشتبها وبعضه غير متشابه في الهيئة والمقدار واللون والطعم وغير ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعها، وحكمة منشئها ومبدعها كما قال- تعالى- يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ .

ثم أمر الله عباده أن يتأملوا في بديع صنعه فقال: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ أى:

انظروا نظر تأمل واعتبار إلى ثمار كل واحد مما ذكرنا حال ابتدائه حين يكون ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به، وحال ينعه أى: نضجه كيف يصير كبيرا أو جامعا لألوان من المنافع والملاذ.

يقال: أينعت الثمرة إذا نضجت.

وقوله إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أى: إن في ذلكم الذي ذكرناه من أنواع النبات والثمار، وذلكم الذي أمرتم بالنظر إليه لدلائل عظيمة على وجود القادر الحكيم لقوم يصدقون بأن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار لهو المستحق للعبادة دون ما سواه أو هو القادر على أن يحيى الموتى ويبعثهم.

قال الشيخ القاسمى: قال بعضهم: القوم كانوا ينكرون البعث فاحتج عليهم بتعريف ما خلق ونقله من حال إلى حال وهو ما يعلمونه قطعا ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها،وإخراج أنواع النبات والثمار منها. وأنه لا يقدر على ذلك أحد إلا الله- تعالى- فبين أنه- سبحانه- كذلك قادر على إنشائهم من نفوسهم وأبدانهم، وعلى البعث بإنزال المطر من السماء، ثم إنبات الأجساد كالنبات، ثم جعلها خضرة بالحياة ثم تصوير الأعمال بصور كثيرة، وإفادة أمور زائدة وتفريعها، وإعطاء أطعمة مشتبهة في الصورة غير متشابهة في اللذة جزاء عليها» .

هذا وقد أفاض الإمام الرازي- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية في بيان مظاهر قدرة الله وكمال رحمته وحكمته فقال ما ملخصه:

«اعلم أنه- تعالى- ذكره هنا أربعة أنواع من الأشجار: النخل والعنب والزيتون والرمان.

وإنما قدم الزرع على الشجر لأن الزرع غذاء، وثمار الأشجار فواكه، والغذاء مقدم على الفاكهة، وإنما قدم النخل على سائر الفواكه لأن التمر يجرى مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب.

وإنما ذكر العنب عقيب النخيل، لأن العنب أشرف أنواع الفواكه، وذلك لأنه من أول ما يظهر يصير منتفعا به إلى آخر الحال. وأما الزيتون فهو- أيضا- كثير النفع لأنه يمكن تناوله كما هو وينفصل- أيضا- عنه دهن كثير عظيم النفع. وأما الرمان فحاله عجيب جدا. واعلم أن أنواع النبات أكثر من أن تفي بشرحها مجلدات، فلهذا السبب ذكر- سبحانه- هذه الأقسام الأربعة التي هي أشرف أنواع النبات، واكتفى بذكرها تنبيها على البواقي.

ثم قال: وقد أمر- سبحانه- بالنظر في حال ابتداء الثمر ونضجه لأن هذا هو موضوع الاستدلال، والحجة التي هي تمام المقصود من هذه الآية وذلك لأن هذه الثمار والأزهار تتولد في أول حدوثها عن صفات مخصوصة وعند تمامها لا تبقى على حالاتها الأولى بل تنتقل إلى أحوال مضادة للأحوال السابقة مثل أنها كانت موصوفة بلون الخضرة فتصير ملونة بلون السواد أو بلون الحمرة وكانت موصوفة بالحموضة فتصير موصوفة بالحلاوة، وربما كانت في أول الأمر باردة بحسب الطبيعة فتصير في آخر أمرها حارة بحسب الطبيعة- أيضا- فحصول هذه المبتدلات والمتغيرات لا بد له من سبب، وذلك السبب ليس هو تأثير الطبائع والفصول والأنجم والأفلاك، لأن نسبة هذه الأحوال بأسرها إلى جميع هذه الأجسام المتباينة متساوية متشابهة، والنسب المتشابهة لا يمكن أن تكون أسبابا لحدوث الحوادث المختلفة. ولما بطل إسناد حدوث هذه الحوادث إلى الطبائع والأنجم والأفلاك وجب إسناده إلى القادر المختار الحكيم الرحيم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة، والمصلحة الحكيمة» .

وبعد أن ذكر- سبحانه- تلك الدلائل الدالة على عظيم قدرته، وباهر حكمته ووافر نعمته. واستحقاقه الألوهية، أتبعها بتوبيخ المشركين والرد عليهم بما يرشدهم إلى الطريق القويم لو كانوا يعقلون فقال- تعالى-:

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022