ثم بين- سبحانه- ما كان منهم بعد أن رأوا ضلالهم فقال تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا، قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أى وحين اشتد ندمهم على عبادة العجل، وتبينوا ضلالهم واضحا كأنهم أبصروه بعيونهم قالوا متحسرين لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أى لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم.
وكان هذا الندم بعد رجوع موسى إليهم من الميقات وقد أعطاه الله التوراة، بدليل أنه لما نصحهم هارون بترك عبادة العجل قالوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى وبدليل أن موسى- عليه السلام- لما رجع أنكر عليهم ما هم عليه وهذا دليل على أنهم كانوا مستمرين على عبادته إلى أن رجع موسى إليهم وبصرهم بما هم عليه من ضلال مبين.
ولذلك قال ابن جرير عند تفسيره لقوله تعالى وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف- جل ثناؤه- صفته، عند رجوع موسى إليهم، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم، وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف، وعاجز عن شيء: قد سقط في يديه وأسقط، لغتان فصيحتان، وأصله من الاستئسار، وذلك بأن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه، فيرمى به من بين يديه إلى الأرض ليأسره، فالمرمى به مسقوط في يدي الساقط به، فقيل لكل عاجز عن شيء ومتندم على ما فاته: سقط في يديه وأسقط) وعبر- سبحانه- عن شدة ندمهم بقوله تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها، لأن فاه قد وقع فيها. وكأن أصل الكلام ولما سقطت أفواههم في أيديهم، أى ندموا أشد الندم.
قال صاحب تاج العروس: وفي (العباب) هذا نظم لم يسمع به قبل القرآن ولا عرفته العرب (والأصل فيه نزول الشيء من أعلى إلى أسفل) ، ووقوعه على الأرض، ثم اتسع فيه فقيل للخطأ من الكلام (سقط) لأنهم شبهوه بما لا يحتاج إليه، وذكر اليد لأن الندم يحدث في القلب. وأثره يظهر في اليد، كقوله تعالى: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها ولأن اليد هي الجارحة العظمى، فربما يسند إليها ما لم تباشره كقوله تعالى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ . اه.