ثم أمر- سبحانه- هؤلاء الظالمين بالتفكر والتدبر فقال: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا، ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ.
الهمزة للإنكار والتوبيخ، وهي داخلة على فعل حذف للعلم به من سياق القول، والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام.
والجنة: مصدر كالجلسة بمعنى الجنون. وأصل الجن الستر عن الحاسة.
والمعنى: أكذب هؤلاء الظالمون رسولهم صلّى الله عليه وسلّم ولم يتفكروا في أنه ليس به أى شيء من الجنون، بل هو أكمل الناس عقلا، وأسدهم رأيا، وأنقاهم نفسا.
والتعبير بِصاحِبِهِمْ للإيذان بأن طول مصاحبتهم له مما يطلعهم على نزاهته عما اتهموه به، فهو صلّى الله عليه وسلّم قد لبث فيهم قبل الرسالة أربعين سنة كانوا يلقبونه فيها بالصادق الأمين، ويعرفون عنه أسمى ألوان الإدراك السليم والتفكير المستقيم.
قال الجمل: وجملة «ما بصاحبهم من جنة» في محل نصب معمولة ليتفكروا فهو عامل فيها محلا لا لفظا لوجود المعلق له عن العمل وهو ما النافية.
ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ثم ابتدأ كلاما آخر إما استفهام إنكار وإما نفيا. ويجوز أن تكون «ما» استفهامية في محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم.
والتقدير: أى شيء استقر بصاحبهم من الجنون» .
وقوله إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ بيان لوظيفته صلّى الله عليه وسلّم أى: ليس بمجنون كما زعمتم أيها المشركون وإنما هو مبالغ في الإنذار، مظهر له غاية الإظهار. فهو لا يقصر في تخويفكم من سوء عاقبة التكذيب، ولا يتهاون في نصيحتكم وإرشادكم إلى ما يصلح من شأنكم.