فقوله : هم أولاء على أثري ليس يريد أنهم يسيرون خلفه متوجهين إليه ، بل أراد أنهم بالقرب مني ينتظرون عودي إليهم . وقيل : لا بل كان أمر هارون بأن يتبع في بني إسرائيل أثره ويلتحقوا به . وقال قوم : أراد بالقوم السبعين الذين اختارهم ، وكان موسى لما قرب من الطور سبقهم شوقا إلى سماع كلام الله . وقيل : لما وفد إلى طور سيناء بالوعد اشتاق إلى ربه وطالت عليه المسافة من شدة الشوق إلى الله تعالى ، فضاق به الأمر شق قميصه ، ثم لم يصبر حتى خلفهم ومضى وحده ؛ فلما وقف في مقامه قال الله تبارك وتعالى : وما أعجلك عن قومك يا موسى فبقي - صلى الله عليه وسلم - متحيرا عن الجواب وكنى عنه بقوله : هم أولاء على أثري وإنما سأله السبب الذي أعجله بقوله : ما فأخبر عن مجيئهم بالأثر . ثم قال : وعجلت إليك رب لترضى فكنى عن ذكر الشوق وصدقه إلى ابتغاء الرضا . ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله : وعجلت إليك رب لترضى قال : شوقا . وكانت عائشة - رضي الله عنها - إذا آوت إلى فراشها تقول : هاتوا المجيد . فتؤتى بالمصحف فتأخذه في صدرها وتنام معه تتسلى بذلك ؛ رواه سفيان عن مسعر عن عائشة - رضي الله عنها - . وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا أمطرت السماء خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول : إنه حديث عهد بربي فهذا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وممن بعده من قبيل الشوق ؛ ولذلك قال الله تبارك اسمه فيما يروى عنه : طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق . قال ابن عباس : كان الله عالما ولكن قال وما أعجلك عن قومك رحمة لموسى ، وإكراما له بهذا القول ، وتسكينا لقلبه ، ورقة عليه ؛ فقال مجيبا لربه : هم أولاء على أثري . قال أبو حاتم قال عيسى : بنو تميم يقولون : هم أولى مقصورة مرسلة ، وأهل الحجاز يقولون أولاء ممدودة . وحكى الفراء ( هم أولاي على أثري ) وزعم أبو إسحاق الزجاج : أن هذا لا وجه له . قال النحاس وهو كما قال : لأن هذا ليس مما يضاف فيكون مثل هداي . ولا يخلو من إحدى جهتين : إما أن يكون اسما مبهما فإضافته محال ؛ وإما أن يكون بمعنى الذين فلا يضاف أيضا ؛ لأن ما بعده من تمامه وهو معرفة . وقرأ ابن أبي إسحاق ونصر ورويس عن يعقوب ( على إثري ) بكسر الهمزة وإسكان الثاء وهو بمعنى أثر ، لغتان . وعجلت إليك رب لترضى عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني . يقال : رجل عجل وعجل وعجول وعجلان بين العجلة ؛ والعجلة خلاف البطء .