لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي أى: والله لقد أضلنى هذا الصديق المشئوم عن الذكر أى: عن الهدى بعد إذ جاءني الرسول صلّى الله عليه وسلّم فالجملة الكريمة تعليل لتمنيه المذكور، وتوضيح لتملله. وأكده بلام القسم للمبالغة في بيان شدة ندمه وحسرته.
والمراد بالذكر هنا: ما يشمل القرآن الكريم، وما يشمل غيره من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلّم وفي التعبير بقوله: بَعْدَ إِذْ جاءَنِي إشعار بأن هدى الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد وصل إلى هذا الشقي، وكان في إمكانه أن ينتفع به.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا أى: وكان الشيطان دائما وأبدا. خذولا للإنسان. أى: صارفا إياه عن الحق، محرضا له على الباطل، فإذا ما احتاج الإنسان إليه خذله وتركه وفر عنه وهو يقول: إنى برىء منك.
يقال: خذل فلان فلانا، إذا ترك نصرته بعد أن وعده بها.
وهكذا تكون عاقبة الذين يتبعون أصدقاء السوء، وصدق الله إذ يقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
ومن الأحاديث التي وردت في الأمر باتخاذ الصديق الصالح، وبالنهى عن الصديق الطالح،ما رواه الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك. وإمّا أن تبتاع منه. وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثوبك. وإما أن تجد منه ريحا خبيثة» .
ثم بين- سبحانه- ما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم في شأن هؤلاء المشركين، وما قالوه في شأن القرآن الكريم، وما رد به- سبحانه- عليهم، فقال- تعالى-: