ثم استثنى- سبحانه- التائبين من هذا العذاب المهين فقال: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ...
أى: يضاعف العذاب لمن يرتكب شيئا من تلك الكبائر. ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب عنها توبة صادقة نصوحا، وآمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، وداوم على إتيان الأعمال الصالحة، فأولئك التائبون المؤمنون المواظبون على العمل الصالح «يبدل الله- تعالى- سيئاتهم حسنات» بأن يمحو- سبحانه- سوابق معاصيهم- بفضله وكرمه- ويثبت بدلها لواحق طاعاتهم، أو بأن يجب إليهم الإيمان، ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلهم من الراشدين.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقوله: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً في معناه قولان:
أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الصالحات. قال ابن عباس: هم المؤمنون. كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات..
والثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار..
روى الطبراني عن أبى فروة أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، ولم يترك حاجة ولا داجة فهل له من توبة؟ فقال له صلّى الله عليه وسلّم: «أأسلمت؟ قال:
نعم.
قال: فافعل الخيرات، واترك السيئات. فيجعلها الله لك خيرات كلها.
قال: «وغدراتى وفجراتي؟ قال: نعم.» فما زال يكبر حتى توارى .
وقوله- تعالى-: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله.
أى: وكان الله- تعالى- واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه وأناب.