وقوله- تعالى-: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً.
أى: أنزلنا من السماء ماء طهورا، لنحيي بهذا الماء بلدة، أى: أرضا جدباء لا نبات فيها لعدم نزول المطر عليها، ولكي نسقى بهذا الماء أيضا «أنعاما» أى: إبلا وبقرا وغنما «وأناسى كثيرا» أى: وعددا كثيرا من الناس. فالأناسى: جمع إنسان وأصله أناسين فقلبت نونه ياء وأدغمت فيما قبلها.
وقدم- سبحانه- إحياء الأرض، لأن خروج النبات منها بسبب المطر تتوقف عليه حياة الناس والأنعام وغيرهما.
وخص الأنعام بالذكر، لأن مدار معاشهم عليها، ولذا قدم سقيها على سقيهم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم خص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب؟.
قلت: لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام..
فإن قلت: فما معنى تنكير الأنعام والأناسى ووصفها بالكثرة؟
قلت: معنى ذلك أن علية الناس وجلهم منيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء، فيهم غنية عن سقى السماء، وأعقابهم- وهم كثير منهم- لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه.
فإن قلت: لم قدم إحياء الأرض وسقى الأنعام على سقى الأناسى؟
قلت: لأن حياة الأناسى بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فقدم ما هو سبب حياتهم وتعيشهم على سقيهم، ولأنهم إذا ظفروا بما يكون سقيا لأرضهم ومواشيهم لم يعدموا سقياهم .