وقوله - تعالى : ( إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ . . . ) استثناء من الشعراء المذمومين الذين يتبعهم الغاوون ، والذين هم فى كل واد يهيمون .
أى : إلا الشعراء الذين آمنوا بالله - تعالى - وعملوا الأعمال الصالحات وذكروا الله كثيرا بحيث لا يشغلهم شعرهم عن طاعة الله ، وانتصروا من بعد ما ظلموا من أعدائهم الكافرين ، بأن ردوا على أباطيلهم ، ودافعوا عن الدين الحق .
إلا هؤلاء ، فإنهم لا يكونون من الشعراء المذمومين ، بل هم من الشعراء الممدوحين .
قال ابن كثير : لما نزل قوله - تعالى - : ( والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون ) جاء حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون وقالوا . قد علم الله - تعالى - أنا شعراء ، فتلا عليهم النبى صلى الله عليه وسلم : ( إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ) قال : أنتم . ( وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً ) قال : أنتم ( وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ) قال : أنتم " .
فالشعراء : منهم المذمومون وهم الذين فى كل واد يهيمون ويقولون مالا يفعلون . .
ومنهم الممدوحون وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا .
والشعر فى ذاته كلام : حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، فخذ الحسن ، واترك القبيح .
وقد تكلم العلماء هنا كلاما ويلا يتعلق بتفسير هذه الآيات التى تحدثت عن الشعراء فارجع إليه إن شئت .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله - تعالى - ( وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) .
والمنقلب : المرجع والمصير ، وهو مفعول مطلق . أى : ينقلبون أى انقلاب والجملة الكريمة مشتملة على أشد ألوان التهديد والوعيد للظالمين .
قال القرطبى : ومعنى : ( أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) أى مصير يصيرون ، وأى مرجع يرجعون ، لأن مصيرهم إلى النار ، وهو أقبح مصير ، ومرجعهم إلى العقاب وهو شر مرجع يرجعون ، لأن مصيرهم إلى النار ، وهو أقبح مصير ، ومرجعهم إلى العقاب وهو شر مرجع والفرق بين المنقلب والمرجع : أن المنقلب : الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع : العود من حال هو فيها ، إلى حال كان عليها ، فصار كل مرجع منقلبا ، وليس كل منقلب مرجعا .
وقال الإمام ابن كثير : والصحيح أن هذه الآية عامة فى كل ظالم . . . وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كتب أبى وصيته من سطرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبى قحافة ، عند خروجه من الدنيا ، حين يؤمن الكافر ، وينتهى الفاجر ، ويصدق الكاذب . إنى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن يعدل فذاك ظنى به ، ورجائى فيه ، وإن يظلم ويبدل فلا أعلم الغيب ( وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) .