لا- أيها الرسول الكريم- لا تفعل ذلك، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب، وإنك لا تستطيع هداية أحد ولكن الله- تعالى- يهدى من يشاء، وإننا إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ.
ومفعول المشيئة محذوف، والمراد بالآية هنا المعجزة القاهرة التي تجعلهم لا يملكون انصرافا معها عن الإيمان، والأعناق جمع عنق. وقد تطلق على وجوه الناس وزعمائهم تقول: جاءني عنق من الناس: أى جماعة منهم أو من رؤسائهم والمقدمين فيهم.
والمعنى: لا تحزن يا محمد لعدم إيمان كفار مكة بك، فإننا إن نشأ إيمانهم، ننزل عليهم آية ملجئة لهم إلى الإيمان. تجعلهم ينقادون له، ويدخلون فيه دخولا ملزما لهم، ولكنا لا نفعل ذلك، لأن حكمتنا قد اقتضت أن يكون دخول الناس في الإيمان عن طريق الاختيار والرغبة، وليس عن طريق الإلجاء والقسر.
وصور- سبحانه- هذه الآية بتلك الصورة الحسية فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ، للإشعار بأن هذه الآية لو أراد- سبحانه- إنزالها لجعلتهم يخضعون خضوعا تاما لها، حتى لكأن أعناقهم على هيئة من الخضوع والذلة لا تملك معها الارتفاع أو الحركة.
قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: كيف صح مجيء خاضعين خبرا عن الأعناق؟ قلت:
أصل الكلام: فظلوا لها خاضعين. فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع، وترك الكلام على أصله. كقوله: ذهبت أهل اليمامة، كأن الأهل غير مذكور. أو لما وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء، قيل: خاضعين.. وقيل أعناق الناس: رؤساؤهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما قيل لهم: هم الرءوس والنواصي والصدور ... وقيل: جماعات الناس..» .