ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء الأخيار من ثواب فقال: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا.
أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الكريمة يؤتون أجرهم مضاعفا بسبب صبرهم على مغالبة شهواتهم، وبسبب صبرهم على ما يستلزمه اتباع الحق من تكاليف.
قال القرطبي: قوله- تعالى- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ثبت في صحيح مسلم عن أبى موسى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:
رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله- عز وجل- وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن تغذيتها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران» .
قال علماؤنا: لما كان كل واحد من هؤلاء مخاطبا بأمرين من جهتين استحق كل واحد منهم أجرين، فالكتابى كان مخاطبا من جهة نبيه، ثم إنه خوطب من جهة نبينا، فأجابه واتبعه فله أجر الملتين» .
وقوله- تعالى- وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ بيان لصفة أخرى من صفاتهم الحسنة.
ويَدْرَؤُنَ من الدرء بمعنى الدفع ومنه الحديث الشريف: «ادرءوا الحدود بالشبهات» .
أى: لا يقابلون السيئة بمثلها، وإنما يعفون ويصفحون، ويقابلون الكلمة الخبيثة بالكلمة الحسنة.
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أى: ومما أعطيناهم من مال يتصدقون، بدون إسراف أو تقتير.